الأربعاء، 4 نوفمبر 2015
القرآن وسجع الكهان وشعراء ما قبل الاسلام.. الجزء الثاني
الجزء الأول -القرآن وسجع الكهان وشعراء ما قبل الاسلام.
الدراسة الثانية فواصل آيات القرآن تؤكد ان النص القرآنى نصا مسجوعا مثله مثل سجع الكهان والعرافين والمتنبئين الجاهليين يقول الدكتور عبدالله ابراهيم فى كتاب (سيرة المرويات النثرية السردية الجاهلية ) فصل : استبداد السجع : " استبدّ السجع بالتعبير النثري الجاهلي، وهذه الصيغة الأسلوبية تفرض على المتكلمّ تقطيعاً متتالياً لمضمون كلامه يتناسب والفقرات اللفظية المسجعة التى غالباً ما تكون قصيرة، مسبوكة في قالب أسلوبي حاد النهايات، يبرز التعسف واضحاً في بعض فقراته حينما تقحم فكرة في سلسلة من القوالب المتناظرة بحيث لايسمح للمعنى أن يفيض خارج تلك الأطر المحددة، الأمر الذي يستدعي تقسيم محتوى الخطاب على تلك القوالب بما يضمن نوعاً من التوزيع المتناسب للفكرة بينها. وبالطبع فإنّ كل هذا يقيد إمكانية الاسترسال والتعمق والإفاضة والإحاطة بجوانب الفكرة التى يراد التعبير عنها، وفي هذا نجد أنّ النثر المسجع يُشعر المتلقي دائماً بأن سياقاته الدلالية غير مشبعة ويكتنف الغموض بعض المقاصد فيها وكأن الكلام عبارة عن نبذ مناثرة انتظمت في قوالب متراصة ومتسلسلة تفتقر إلى التنوّع الذي يعد أساساً للإشباع الدلالي في الخطاب الأدبي. ويبدو أنّ هذه الصيغة التى تهدف إلى تعميق بعض الأفكار في أذهان المتلقين بالتركيز على النهائيات الحادة لفظياً والحاملة لأفكار مركزة مكثفة كانت قد وظفت في الأساس للتعبير عن بعض التعاليم الدينية والروحية، واستأثرت باهتمام الكهنة والعرافين والمتنبئين الذين كانوا يغذّون كلامهم بالروح الديني الغامض ذي التموجات الدلالية المؤثرة التى تنشط الاحتمالات في نفس المستمع، فيسهل التأثير فيه، سرعان ما أصبح السجع أحد أهم التقاليد الأسلوبية التى تفرض حضورها في كلام يجد نفسه قد ترفع عن الكلام العادي المباشر إلاّ أنه لا يريد أن يبلغ منزلة الشعر. إذ أنّ الشعر يوظف غالباً بهدف إثارة النفس وهو لا يتقصد إثبات أفكار مباشرة إنما يترك للايحاءات أن تمارس أثرها في نفس المتلقى بوساطة الاندماج مع حالة الانشاد. فهو يخاطب والحالة هذه جانباً من نفس الإنسان على سبيل الإيحاء والتغني بالذات والمشاركة في الأحاسيس. فيما كان السجع يؤدي وظيفة أخرى، أنه أسلوب يراد منه أضفاء حالة من الخشوع والتأمل والاستعداد لتلقي فكرة مقدسة أو وصيةّ أو عبرة، تقتضي الإيجاز والتكثيف، ولكنها تهدف إلى التأثير بالتركيز على نهايات الأفكار، وكل هذا يناسب التقاليد الدينية المبكرة التى كانت تعاليمها تقتضي اقتصاداً تعبيرياً مؤثراً يستعين بالمثل مرة، وبالترغيب مرة، وبالترهيب إذا لزم الامر. وتنطوي الصيغة السجعية التى تتلاحق فيها الأفكار المبثوثة بانتظام في قوالب مرتبة على إمكانية تأثير كبيرة في المتلقي الذي يكون قد جاء في الأساس لتلقي أفكار محددة، كما أنها مؤثرة بالدرجة نفسها في أولئك الذين يدفعهم الفضول لمعرفة أمر جديد، وعموماً، فالسجع أكثر الوسائل تأثيراً في وضع المتلقى تحت طائلة منظومة من المعانى التى تتدافع فيها الأفكار بين الوضوح والمباشرة من جهة والغموض والإيحاءات المتنوعة من جهة ثانية، وقد أمكن توظيف هذه الصيغة لنشر التعاليم الدينية والتنبوءات والشذرات العبادية والاعتبارية والوصايا والحكم ولعل أكثر النصوص التى استثمرت الإمكانات التأثيرية للأسلوب المسجع هي النصوص الدينية، والحواشي الخاصة بها. وكل هذا يرجّح إقتران السجع بتلك النصوص، فالحاجة إلى إثارة الاهتمام بها فرضت ضرباً من الصيغ المعبرة والمؤثرة، ويمكن التدليل على ذلك بما تجليّ من هيمنة شبة مطلقة لهذا الأسلوب في القرآن، فقد توصل ستيورات في دراسة إحصائية مجهزة بالبيانات إلى أن النسبة المئوية للآيات المسجعة في القرآن تبلغ 85.9%من مجموع آياته أثير جدل متشعب حول موقف الرسول من السجع استناداً إلى تفسيرات متباينة لحديث نسب إليها الرسول في هذا الموضوع، والحكاية التفسيرية التى تشكل الإطار الذي ينظم الحديث تدور حول امرأتين اختمصمتا فيما بينها فضربت إحداهما الأخرى وكان أن أسقطت المضروبة جنيناً ذكراً كانت حبلى به ثم توفيت، واختلف أهل المرأتين فيما بينهما أن كان يتوجب على أهل المرأة القاتلة أن يدفعوا أيضاً دية الجنين فرفع الأمر إلى الرسول فقضى بوجوب دفع دية الجنين.وهنا انبرى ولي المرأة القاتلة معترضاً(( أندي من لاشرب ولا أكل، وإلا صاح فاستهل، فمثل ذلك يطل)). وهنا تتضارب الروايات في نص تعليق الرسول على اعتراضه، ففي رواية قال له(( أسجعاً كسجع الكهان))39 وفي أخرى(( أسجع كسجع الجاهلية))40. ولا يعرف بالضبط السياق الذي ورد فيه قول الرسول، فمن الممكن أن اعتراض الرجل على حكمة قد أغضبه، وأنه عبر عن ذلك الاعتراض بصيغة سجعية الأمر الذي دعا الرسول للتعليق بقول يؤدي أكثر من دلالة. وأبدى أبوهلال العسكري وجهاً لذم السجع بإطلاق في كلام الرسول، فمقصده أن الرجل المعترض عل حكمة اتبع أسلوباً متكلفاً في اعتراضه يماثل أساليب الكهان، فالمذموم هنا تحديداً هو سجع الكهان، وليس السجع بإطلاق، ولو كرهه الرسول لقال ((أسجعاً)) ثم سكت41 ويؤكد هذا المعنى القلقشندي بقوله إن ليس ثمة دلالة على كراهة السجع في كلام الرسول فما كره إنما هو وجه المشابهة بين كلام الرجل وسجع الكهان لما فيه من التكلف42، فيما يمكن تلمس وجه الإكراه للسجع بإطلاق في كلام الرسول إذا أخذت الرواية الثانية للحديث. وعلى أية حال، فهذا ما انتهى إليه الأمر فيما بعد. فقد شاع أمر كره الرسول للسجع، بيد أنّ الأمر ظل محصوراً في المظان، فالممارسة النبوية، ذاتها وجدت أنها بحاجة لهذا الأسلوب، ويكثر ذلك في أحاديثه، ومنها ما وقف عليه القدماء مثل قوله : (( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)). ويعلق أبوهلال العسكري عل ذلك بقوله((كل هذا يؤذن بفضيلة التسجيع على شرط البراء من التكلف والخلو من التعسف))43. وقد أطرأ استخدامه في القرون اللاحقة، فأصبح شائعاً في التأليف الأدبية النثرية، وخلال العصور الوسطى كان السجع من أبرز خصائص النثر العربي في الرسائل والمقامات وكثير من التأليف الأخرى 0 كان السجع القرآني هو الآخر مثار جدل مماثل، وقد وجهت قدسية القرآن ذلك الجدل توجيهاً محدداً كان في أصله لاهوتي. وسعى البلاغيون وبعض النقاد إلى تأويل الخصائص الأسلوبية القرآنية بما لا يجعلها مقترنه بمصطلح(( السجع)) واستبدلوه بمصطلح(( الفاصلة)). وجمعها(( الفواصل)) تنزيهاً للكلام الإلهي على أن يتضمن سجعاً،لأن السجع في اشتقاقه اللغوي متصل بسجع الحمام، ورتب على ذلك ضرورة تنزيه القرآن عن أن يشبه أسلوبه بأصوات لا معنى لها. وهذا هو مذهب الرّماني44 والسيوطي45 الذي يخالفه أبوهلال العسكري بقوله إنه لا يحسن منثور الكلام حتى يكون مزدوجاً، ولاتكاد تجد لبليغ كلاماً يخلوا من الازدواج لكان القرآن، لأنه فى منظمه خارج من كلام الخلق وقد كثر الازدواج فيه حتى حصل فى أوساط الآيات فضلاً عما تزاوج فى الفواصل منه، ويضيف: أن جميع ما فى القرآن مما يجري على النسجيع والازدواج ولو استغنى كلام عن الازدواج مخالف في تمكين المعنى،وصفاء اللفظ، وتضمن الطلاوة والماء لما يجري مجراه من كلام الخلق46. كان الموجّه الأساسي لهذا الجدل هو تصور البلاغيين والنقاد الذين عالجوا هذا الموضوع بعدم وجود صلة للمشابهة بين الكلام الإلهي والبشري،الأمر الذي أفضى إلى فرض تفسيرات متعددة للإعلاء من شأن الخطاب الإلهي في ميادين يعد ذلك الإعلاء فيها نوعاً من الإساءة الضمنية لذلك الخطاب، إذا ليس ثمة تعارض بين أسلوب التعبير ومصدره، فتوصيف الأسلوب القرآني يندرج في معاينة الخصائص الفنية فيه وليس في الشك بمصدره. وعلى أية حال فكون أكثر آيات القرآن مسجعة لا ينهض دليلاً على التقليل من شأنه، بل ينهض دليلاً على رسوخ هذا الأسلوب وهيمنته في العصر الجاهلي، بدلالة الإفادة الكبيرة منه فى القرآن الذي يعد في نهاية المطاف خطاباً موجهاً للتأثير في نفوس الناس بهدف تغيير عقائدهم القديمة. ووجوه استثمار القرآن لإمكانات السجع كثيرة وكلها ترجح. أهميته في سياق الأسلوب القرآني، أما ما شاع عن موقف الرسول منه، والتأويلات المختلفة حول ذلك، فيمكن إرجاعه إلى قضية أخرى وهي أن الرسول وجد نفسه متماثلاً مع كثير من أصحاب الأساليب الأدبية الشائعة آنذاك مثل القصاص والكهنة والشعراء، فهو شأنهم كان يستثمر معطيات الأسلوب الشائع في عصره، إلاّ أنه وجد نفسه أيضاً متعارضاً في رسالتة الدينية معهم، الأمر الذي استدعى بذل جهد كبير لأن يظهر مختلفاً عنهم في رؤيته وتصوراته وفي أسلوبه إذا اقتضى الأمر. ومن الواضح أن مهمته في السعي إبراز التعارض الأسلوبي بينه وبين المسجعين كانت، أصعب المهام وذلك أن السجع قد ترسخ أسلوباً دينياً لا يمكن رسالة دينية أن تتجاوز أمر الاستعانة به للتعريف بنفسها، ونشر تعاليمها والتأثير في أتباعها." ويقول المؤلف فى فصل : نثر الكهّان : استأثر ضرب آخر من النثر باهتمام طائفة من الكهّان والمتنبّئين والمتعبّدين فى العصر الجاهلى. ونسب إليهم لأنه كان الوسيلة المعبرة عن مقاصدهم وأفكارهم. ويبدو أن جملة الظروف الثقافية القائمة آنذاك، قد دفعت هذا النوع من النثر إلى مقدمة أنواع النثر الجاهلي لأنه ارتبط بالنظم الدينية التي كانت قائمة آنذاك، ومن ناحية منطقية فإن الإسلام جبّ مضمون نثر الكهان وأساليبه السجعية، ولكن إذا نظر للأمر من ناحية واقعية فإن واقع الحال يكشف أن جوهر الرسالة الإسلامية والأسلوب الذى جاءت فيه لم يكن يتعارض مع نثر الكهان، ذلك أن الموضوعات التى كانت تتواتر فيه هى إجمالاً أخلاقية وعظية تتخلّلها ضروب من التأويلات الغامضة، أما أساليبه فيغلب عليها الأسجاع التي تماثل إلى حد ما الصيغ السجعّية التى نجدها فى الخطب والنصوص الدينية. ومن المحتمل أنّ أصل التعارض كان قائماً فى الوظائف التى يقوم بها كلّ من النبي والمتنبّئ، أى الخلاف فى وظيفة الرسول ووظيفة الكاهن. ذلك أنه لو نظر إلى ماهية النصوص بعيداً عن سلطة المقدس، لوجدنا أنّ التماثل فى المضامين والأساليب لا يفضي إلى نوع من التعارض الحقيقي، ويرجح أنّ ظروفاً واقعية وتاريخية أوجدت ذلك التعارض، وفرضت نوعاً من التناقض بينهما. لقد ظهرت فئة تدّعي التنبؤ ومعرفة المغيبات فى العصر الجاهلى58، ومن الواضح أنّ ممارسة التنبؤ قد ازدهرت فى تلك الحقبة، وكان اهتمام تلك الفئة ينصب على الإيهام بامتلاك قوة خارقة تمكّنهم من استكناه خفايا المستقبل، وكشف الغيوب وتأويل الرؤيا، وكان يعبر عن تلك القوة الغامضة بأساليب خاصّة موحية يترك للاحتمالات أن تفعل فعلها فى نفس المتلقّي، فقوة العبارة والتمدّد الدلالي فى سياقاتها، وحشدها بالمثل أو العبرة، أو شحنها باللمحة الاعتبارية المحيرة، وكل ذلك ميّز نثر الكهان بخصائص تميزه عن غيره، وأن كانت لا تقتصر عليه. ولعل أظهر تلك الخصائص: قصر العبارة، والتزام التقفية، وتساوي الفواصل، وإيراد العبارات المبهمة المعماة، وتشكيل الجمل الغامضة، الأمر الذى يمنح المستمع إمكانية التشعب فى تأويلها بما لا يوقع الكاهن فى نوع من الحرج59، وكانوا يمثلون سلطة دينية واجتماعية، ويعتقد على نطاق واسع أنّ لكلّ كاهن رئياً من الجن يأتيه بخبر السماء، ولهذا كان الكهان يعتمدون عليهم فى مهام أمورهم كالتحاكم إليهم للفصل فى الخصومات والمفاخرات والمنافرات، ولإخبارهم عّما أبهم عليهم كضياع مال أو متاع، أو عند حدوث ريبة60، والادعاء بوجود قوة خارجية تزود بعض الكهان والشعراء والمتألهين بما يحتاجونه من معرفة أمر ضارب فى مظاهر الثقافة الجاهلية. وهو مما تحتشد به عموماً الثقافات الشفاهية التى تمنح بعض الأفراد قوى سحرية لخرق نواميس الطبيعة والإتيان بأخبار فى منأى عن طرق المعرفة الشائعة. ولما كان الكهان والشعراء والمتنبئين يعبرون عن تأملاتهم بصيغ خاصة ومتميزة أدبياً وإيقاعياً فسّر الأمر على أنه نوع من الإيهام أو الإيحاء. وفى كل الأحوال فإن المناخ الدينى، والعنصر التنبؤى أهم ما ينطوى عليه نثر الكهان، وبخاصة تلك الأجزاء المنسوبة إلى كهان لهم شأنهم فى العصر الجاهلى مثل: شق أنمار وسطيح الذئبى وطريفة الكاهنة والمأمور الحارثى وفاطمة الخثعمية وغيرها. ويحسن أن نقف على أمثلة توضح كل ذلك، مذكرين بالحكايات التفسيرية التى وضعت لتوضيح سياق الشذرات النثرية لأشهر كهان الجاهلية. نسجت أساطير كثيرة حول شق وسطيح، فقيل عن الأول أنه بنصف جسد وعين ورجل ويد، أما الثانى فجسده خلو من العظام إلاّ الجمجمة، فكان يطوى كالقماش، ووجهه فى صدور. والى هذين الكاهنين تعزى أكثر التنبؤات غموضاً، وأشهر ما اتفق عليه تفسيرهما المتطابق لرؤيا ربيعة بن نصر اللخمى، أحد ملوك اليمن القدامى، إذ نجحا، فيما تذهب إليه المرويات، بأنهما أوّلاً رؤيأ رآها، ومؤداها حسب التأويل إنّ بلاده ستحتل من الأحباش، وإنها لامحالة واقعة تحت سيطرتهم. وتقدم الحكاية الخاصة بهذه الواقعة الأمر بالصورة الآتية: رأى ربيعة بن نصر رؤيا هالته، وفظع بها، فلما بعث فى أهل مملكته، فلم يدع كاهناً ولا ساحراً ولا عائفاً ولا منجماً إلاّ جمعه إليه، ثم قال لهم: إنى قد رأيت رؤيأ هالتني وفظعت بها، فأخبرونى بتأويلها، قالوا له: اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها، قال: إنى إن اخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها، إنه لا يعرف تأويلها إلاّ من يعرفها قبل أن أخبره بها فلما قال لهم ذلك قال رجل من القوم الذين جمعوا لذلك. فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانك بما سألت... فلما قالوا له ذلك بعث إليهما، فقدم عليه قبل شق سطيح، ولم يكن فى زمانهما مثلهما من الكهان، فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له: يا سطيح، إني قد رأيت رؤيأ هالتنى وفظعت بها، فاخبرني بها فإنك إذا أصبتها أصبت تأويلها. قال أفعل ((رأيت جمجمة خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض ثهمة ( =وفى رواية حممة وتهمة على التوالى ويقصد بالأولى فحمة والثانية بقعة من الأرض واقعة على ساحل البحر) فأكلت منها كل ذات جمجمة)). فقال له الملك: ما أخطأت منها يا سطيع، فما عندك فى تأويلها، فقال: ((احلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطنّ أرضكم الحبش، فليملكنّ ما بين أبين إلى جرش))(= موضعات باليمن)، قال له الملك: وأبيك يا سطيح، إنّ هذا لغائط موجع، فمتى هو كائن يا سطيح؟. فى زمانى أم بعده؟ قال: ((لا بل بعده بحيث، أكثر من ستين أو سبعين، يمضين من السنين))، قال فهل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع؟ قال: ((بل ينقطع لبضع وسبعين، يمضين من السنين، ثم يقتلون بها أجمعون، ويخرجون منها هاربين))، قال الملك ومن ذا الذى يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟، قال: ((يليه إرم ذى يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك منهم أحداً باليمن)) قال: أَفَيَدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع؟ قال: ((بل ينقطع)) قال ومن يقطعه؟ قال: نبي زكى يأتيه الوحى من العلى)) قال: وممن هذا النبى؟ قال: ((رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك فى قومه إلى آخر الدهر)) قال: وهل للدهر ياسطيح من آخر؟ قال: ((نعم. يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، ويسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيئون))، قال: أحق ما تخبرنا ياسطيح؟ قال: (( نعم والشفق والغسق والغلق إذا اتسق، إنّ ما أنبأتك به لحق)). فلما فرغ قدم عليه شق، فحدثه بأمره فقال له: ((نعم رأيت جمجمة، خرجت من ظلمة، فوقفت بين روضة وأكمة، فأكلت منها كلّ ذات نسمة)) فلما رأى ذلك الملك من قولهما شيئاً واحداً، قال له، ما أخطات ياشق منها شيئاً، فما عندك فى تأويلها؟ قال(( احلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلنّ أرضكم السودان، فليغلبنّ على كل طفلة البنان، وليملكنّ ما بين أبين إالى نجران)) فقال له الملك: وأبيك ياشق إنّ هذا لغائط موجع، فمتى هو كائن؟ أفى زمانى أم بعده؟ قال: بل بعدك بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شأن، ويذيقهم أشد الهوان)) قال: ومن هذا العظيم الشان؟ قال:(( غلام ليس بدنّى ولا مدنّ( =مقصر)، يخرج من بيت ذى يزن)) قال: فهل يدوم سلطانه أو ينقطع؟ قال:(( بل ينقطع برسول مرسل، يأتى بالحق والعدل، بين أهل الدين والفضل، يكون الملك فى قومه إلى يوم الفصل)) قال: وما يوم الفصل؟. قال(( يوم يجزى فيه الولاة، يدعى من السماء بدعوات، يسمع منها الأحياء والأموات، ويجمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات)) قال: أحق ما تقول ياشق؟:(( إى ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إنّ ما أنباتك لحق ما فيه أمض))( = باطل). فلما فرغ من مسألتهما، وقع فى نفسه أنّ الذى قالاه له كائن من أمر الحبشة، فجهزّ بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال سابور من خرّزاذ، فأسكنهم الحيرة فمن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة61. تثير هذه المدونة التى تقوم على أصل مروى إشكاليات كثيرة، وأبرز ما يلاحظ عليها أنها تندرج فى سياق المرويات التنبؤية التى أشرنا إلى أنّ النثر الجاهلى كان يزخر بها. ونظراً لتكيفّ النبؤة بما يوافق الإسلام، فقد كان هذا العامل حاسماً فى روايتها، مع احتمال أن تكون النبوءة قد وضعت فى وقت آخر. بيد أن ما يلاحظ على هذه المدونة تعدد النبوءات فيها.فثمة نبوءة خاصة باحتلال اليمن وثانية بتحريرها وثالثة بظهور الرسول، فضلاً عن النبوءة الكبرى وهى(( نبوءة آخر الدهر)) وكل من هذه النبوءات ترسل دلالتها الخاصة. فالأولى تدور حول مصير ربيعة بن نصر مباشرة، والثانية تدور حول مصير الأحباش الذين سيطردهم سيف بن بن ذى يزن. والثالثة تتصل بمصير سيف نفسه الذى ينقطع سلطانه بظهور الرسول. والأخيرة تتعلق بمصير الحياة بأجمعها إذ ينقضى الدهر بيوم الخلاص. وتساوي النبوءات بما يجعل كل واحدة تفضى إلى الأخرى، ابتداء من حالة محدودة تتعلق بمصير شخص وصولاً إلى مصير الحياة باجمعها. ومع أنّ هذه الحكاية بما فيها من نبوءات قد وضعت لتفسير حالة تاريخية تتصل بنسب ملوك الحيرة، وكيفية وصولهم إليها، فإنّ أخذ الأمر كما صورته لنا هذه المدونة يعنى صياغة الواقع التاريخى فى ضوء النبوءة، فالأمر الذى ترتب على النبوءة هو قيام ملك اليمن بإرسال أهله إلى العراق للاحتماء بملك فارس من خطر الأحباش. ونخلص فيما يخص هذه الظاهرة أنّ النبوءة عنصر شبه قار فى أغلب المرويات المماثلة. أما لو نظرنا إلى المدونة من ناحية الأسلوب المسجع، فإننا نجد أنّ الفقرات المسجوعة فيها ركيكة ومصنوعة، وتفتقر إلى المتانة التى عرف بها نثر الكهان عموماً، إلى ذلك فأن التناقضات الداخلية فى النص لا تحصى وفى مقدمتها خلط الوقائع ببعضها دون مراعاة الشرط التاريخى، ويغلب أنّ القصد من كل تركيب نموذج لفعالية الكهان آنذاك. فالحكاية تتوسع ولا تقتصر على تأويل رؤيا الملك مباشرة، إنما الحوار المتبادل بين الملك والكاهن يمدد من وظيفة المدونة لتغطى جوانب أخرى فرضت حضورها لحظة التدوين أو فى أثناء الرواية. وعلى أية حال، فالمناخ الذى تترتب فيه المدونة بأجمعها هو ديني وعظي تتبوئي يندرج فى نهاية المطاف فى خدمة الدين. وينبغى علينا أن نشير إلى أنّ النبوءة بظهور الرسول هى أبرز ما تنطوى عليه النبوءات الواردة فى تضاعيف النثر الجاهلى، إلاّ أنها ليست الوحيدة. فالنبوءة بظهور غيره ممن استأثر بالسلطة والحكم ترد أيضاً فى بعض المرويات. مما يدل أنّ أجزاء من تلك المرويات وضعت فى ظل موجهات واقعية. ومن ذلك ما روى حول هند ابنة عتبة بن ربيعة، وكانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومى، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن. فخلا البيت يوماً فاضطجع الفاكه هو وهند فيه، ثم نهض الفاكه لبعض حاجته، وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رآها ولى هارباً وأبصره الفاكه فأقبل إلى هند فركضها( = ضربها) برجله وهى نائمة فانتبهت، فقال من ذا الذى خرج من عندك، فقالت لم أر أحداً وأنت الذى أنبهتنى، فقال لها اذهبى إلى بيت أبيك فأقيمى عنده، وتكلّم الناس فيها، فقال له أبوها إنك قد رميت ابنتى بأمر عظيم، فحاكمنى إلى بعض كهان اليمن، فخرجا فى جماعة من قومهما إلى كاهن من كهان اليمن، ومعهما هند ونسوة أخر، فلما شارفوا بلاد الكاهن، قالت هند لأبيها: إنكم تأتون بشراً يصيب ويخطئ، ولا آمنه أن يسمنى ميسماً يكون عليّ سبة. فقال أبوها سأختبره لك فصفّر لفرسه حتى أدلى، فأدخل فى إحليله حبة حنطة وشد عليها بسير، فلما دخلوا على الكاهن، قال له عتبة: إنا قد جئناك فى أمر وقد خبأت لك خبئاً اختبرك به فانظر ما هو، فقال: ((ثمرة فى كمرة)) فقال أريد أبين من هذا. فقال ((حبه برّ، فى إحليل مهر))، فقال له انظر فى أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهّن فيضرب بيده على كتفها ويقول انهضى حتى دنا من هند فقال لها: ((انهضى غير رسحاء( = قبيحة) ولا زانية، ولتلدنّ ملكاً اسمه معاوية))، فنهض إليها الفاكة فأخذ بيدها، فجذبت يدها من يده. وقالت إليك عنى!، فوالله لأحرص على أن يكون من غيرك، فتزوجها أبو سفيان بن حرب فولدت له معاوية، فكان من أمره ما كان إلى أن انتهت به الحال إلى الخلافة62. ويبدو أنّ الموجه الأساسى للنبوءة فى هذا الخبر هو الصراع السياسى الذى نشب حول الخلافة. ذلك أنّ الإشارات التى يوردها المدوّن فى بداية الخبر تتضافر جميعها من أجل براءة هند، ومع أنّ هنداً تظهر وعياً وتبصراً بما قد يقضى إليه حكم الكاهن إذا أخطأ بحقها، فإنّ قضاء الكاهن يأتى تتويجاً لسلسلة الإيحاءات ببراءتها وبخاصة ما ورد فى مطلع الخبر. ولكن ليس هذا هو المركز الدلالي الذى ينساق إليه الخبر، إنما ذلك المركز هو النبوءة بظهور معاوية بوصفة ملكاً، وبطبيعة الحال لا يمكن أنً يكون ذلك من امراة زانية. تلعب الحكاية التفسيرية دوراً كبيراً فى توجيه الخبر ومقاصده إلى مناح جديدة لم تكن فى الأصل موجودة، فإذا اعتبرت رؤيا الملك اليمانى هى البؤرة التى تدور حولها الحكاية الأولى وتهمة زنا هند هى المحور الذى تتمركز حوله الحكاية الثانية، فإنّ هذين المركزين يندمجان فى سياق يفضى إلى أن يكونا ثانويين، ذلك أنّ ما تخلص إليه القراءة هو أنّ ظهور الرسول وفكرة يوم القيامة فى الحكاية الأولى، وظهور معاوية وخلافته فى الحكاية الثانية هما المولداّن الأساسيان لمعظم الأفكار التى تتناثر فى سياق الحكايتين، والأكثر من ذلك هما اللذان سيستأثران باهتمام الشخصيات المعنية فى الحكايتين، فالملك اليمانى يهمل أمر الأحباش، وينساق وراء أسئلة متتالية تقود إلى النبوءة الأساسية فى الحكاية. وهند ابنة عتبة، تغلب أمر إنجابها المرتقب على براءتها، وموضوع اتهامها بالزنا. ويصعب أن ينظر إلى هذه المدونات على أنها معبرة فى أصلها عن الموضوعات التى يفترض أنها دارت حولها، فالإضافات التى عرضت لها بسبب المشافهة وتغير البنيات الثقافية، وجدت طريقها إلى صلب هذه النصوص وكيّفتها طبقاً للموجهات الأساسية التى وراء روايتها." الدراسة الثالثة فى فواصل الآى (الإتقان 2 : 96 – 105) دراسة ليوسف درة الحداد ضمن كتابه ( معجزة القرآن ) ج 3 ص 675 وما بعدها " الفاصلة كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع. وقال " الدانى" : كلمة آخر الجملة، وهو خلاف المصطلح .. . وأُخذ من قوله تعالى: " كتاب فُصلت آياته " : فهى صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعداه " الى الشعر أو السجع. " وما يذكر من عيوب القافية، من اختلاف الحركة والاشباع والتوجيه فليس بعيب فى الفاصلة. وجاز الانتقال فى الفاصلة والقرينة وقافية الارجوزة، من نوع الى آخر، بخلاف قافية القصيدة" . هذا، وقد خضع القرآن الى ما يغاير الحقيقة أو اللغة مراعاة للفاصلة. والاتفاق العام على ان موسى أفضل من هارون فقدمه فى قوله: " موسى وهارون" ؛ لكن مراعاة للفاصلة قال فى موضع آخر: " هارون وموسى" لمكان السجع. وبسبب مناسبة الفواصل نجد فى لغته ونظمه اموراً من مخالفة الفصول. ونقل السيوطى عن شمس الدين بن الصائغ فى كتابه (إحكام الرأى فى أحكام الآى) قال: " وقد تتبعت الأحكام التى وقعت فى آخر الآى مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيف عن الأربعين حكماً: " احدها: تقديم المعمول، إما على العامل نحو: " أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون" . قيل: ومنه " إياك نستعين" . أو على معمول آخر أصله التقديم نحو" لنريك من آياتنا الكبرى" مفعول نرى ، أو على الفاعل نحو " ولقد جاء آل فرعون للنذر" . ومنه تقديم خبر كان على اسمها نحو " ولم يكن له كفوءًا أحد" - وذلك مراعاة لمناسبة الفاصلة. " الثانى: تقديم ما هو متأخر فى الزمان نحو " فلله الآخرة والأولى" . ولولا مراعاة الفواصل لقدمت الأولى كقوله: " له الحمد فى الأولى والآخرة". " الثالث: تقديم الفاضل على الأفضل نحو " برب هارون وموسى". " الرابع: تقديم الضمير على ما يفسره، نحو " فأوجس فى نفسه خيفة موسى" . " الخامس: تقديم الصفة الجملة على الصفة المفردة نحو " ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً". " السادس: حذف ياء المنقوص المعرّف نحو " المتعال ِ" ، " يوم التنادِ". " السابع: حذف ياء الفعل غير المجزوم نحو " والليل اذا يَسر ِ ". " الثامن: حذف ياء الاضافة نحو " كيف كان عذابى ونذرِ" ، " فكيف كان عقابِ " . " التاسع: زيادة حرف المدّ نحو " الظنونا " و" الرسولا" و" السبيلا " . ومنه ابقاؤه مع الجازم نحو " لا تخاف دركًا ولا تخشى" ، " سنقِرئك فلا تنسى" - على القول بأنه نهى. " العاشر: صرف ما لا ينصرف نحو " قواريراً قواريراً". " الحادى عشر: ايثار تذكير اسم الجنس كقوله: " اعجاز نخل منقعر". " الثانى عشر: ايثار تأنيثه نحو " اعجاز نخل خاوية" . ونظير هذين قوله فى (القمر): " وكل صغير وكبير مستطر" ؛ وفى (الكهف) : لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها". " الثالث عشر: الاقتصار على احد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما فى " السبع" ، فى غير ذلك. كقوله تعالى: " فأولئك تحروا رشداً" ، ولم يجئ " رشداً " فى السبع. وكذا: " وهىء لنا من أمرنا رشداً" . لأن الفواصل فى السورتين بحركة الوسط. وقد جاء فى " وان يروا سبيل الرشد". وبذلك يبطل ترجيح الفارسى قراءَة التحريك بالاجماع عليه فيما تقدم. ونظير ذلك قراءَة " تبّت يدا أبى لهب" بفتح الهاء وسكونها. ولم يُقرأ " سيصلى ناراً ذات لهب" إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة. " الرابع عشر: ايراد الجملة التى ردّ بها ما قبلها على غير وجه المطابقة فى الاسمية والفعلية كقوله تعالى: " ومن الناس من يقول: آمنا بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين" - لم يطابق بين قولهم " آمنا" وبين ما ردّ به فيقول: (ولم يؤمنوا)، أو (وما آمنوا) لذلك. " الخامس عشر: ايراد أحد القسمين غير مطابق للآخر، كذلك نحو " وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" - ولم يقل (الذين كذبوا). " السادس عشر: ايراد أحد جزأى الجملتين على غير الوجه الذى أورد نظيرها من الجملة الأخرى، نحو " أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون". " السابع عشر: ايثار أغرب اللفظين، نحو " قسمة ضيرى" ولم يقل (جائره)؛ ونحو "لينبذنّ فى الحطمة" ولم يقل (جهنم) أو (النار) . وقال فى (المدثر): " سأصليه سَقَر " ، وفى (سأل) " إنها لظى" ، وفى (القارعة) " مأمه هاوية" - لمراعاة فواصل كل سورة. " الثامن عشر: اختصاص كل المشتركين بموضع نحو " وليذكر أولو الألباب " ؛ وفى سورة طه " إن فى ذلك لآيات لأولى النهى" . " التاسع عشر: حذف المفعول نحو " فأما من اعطى واتقى - ما ودّعك ربك وما قلى". ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل نحو " يعلم السر وأخفى " ، " خير وأبقى " . " العشرون: الاستغناء بالإفراد عن التثنية نحو " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى". " الحادى والعشرون: الاستغناء به عن الجمع نحو " واجعلنا للمتقين إماماً" - ولم يقل " أئمة" كما قال: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" ، " إن المتقين فى جنات ونهر" اى أنهار. " الثانى والعشرون: الاستغناء بالتثنية عن الافراد نحو " ولمن خاف مقام ربه جنتان " . قال الفراء: أراد جنة كقوله: " فإن الجنة هى المأوى" - فثنّى لأجعله الفاصلة. وقال أيضاً الفراء: والقوافى (هنا الفواصل) تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام. ونظير ذلك قول الفراء أيضاً فى قوله تعالى " إذا نبعث أشقاها" فإنهما رجلان؛ ولم يقل " أشقياها" للفاصلة. " الثالث والعشرون: اطلاق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة. ثم قال: وهذا غير بعيد. قال: وانما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية: " ذواتا أفنان " مراعاة للفظ. " الرابع والعشرون: الاستغناء بالجمع عن الأفراد نحو " لا بيع فيه ولا خلال" اى (ولا خلة) كما فى الآية الأخرى - وجمع مراعاة للفاصلة. " الخامس والعشرون: اجراء غير العاقل مجرى العاقل نحو" رأيتهم لى ساجدين" ، " كلُ فى فلك يسبحون" - مراعاة للفاصلة. " السادس والعشرون: إمالة ما لا يمال، كآى طه والنجم. " السابع والعشرون: الاتيان بصيغة المبالغة ، كقدير وعليم، مع ترك ذلك فى نحو " هو القادر" و " عالم الغيب" . ومنه " ما كان ربك نسِيّا" . " الثامن والعشرون: إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو " إن هذا لشىء عجاب" أوثر على (عجيب) لذلك - مراعاة للفاصلة. " التاسع والعشرون: الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه نحو " ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً، وأجل مسمى" - مراعاة للفاصلة. " الثلاثون: ايقاع الظاهر موقع المضمر نحو " والذين يمسكون بالكتاب، وأقاموا الصلاة، إنا لا نضيع أجر المصلحين" . وكذا آية (الكهف). " الحادى والثلاثون: وقوع مفعول موقع فاعل، كقوله: " حجاباً مستوراً" ، " كان وعده مأتيّّاً" اى (سائراً) و(آتياً). " الثانى والثلاثون: وقوع فاعل موقع مفعول نحو " عيشة راضية" ، " ماء دافق". " الثالث والثلاثون: الفصل بين الموصوف والصفة نحو " أخرج المرعى ، فجعله غثاء، أحوى". إن اعراب (أحوى) صفة لمرعى اى حالاً. (والأصل: أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء). " الرابع والثلاثون: ايقاع حرف مكان غيره نحو " بأن ربك أوحى لها" ، والأصل (إليها). " الخامس والثلاثون: تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ. ومنه " الرحمان الرحيم" ، " رؤوف رحيم" لأن الرأفة أبلغ من الرحمة. (وزيادة البناء فى " الرحمان" تجعله ابلغ من " الرحيم"). " السادس والثلاثون: حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو " وما لأحد عنده من نعمة تُجزى" . " السابع والثلاثون: إثبات هاء السكت نحو " ماليه" ، " سلطانيه" ، " ماهيه" . " الثامن والثلاثون: الجمع بين المجرورات نحو " ثم لا تجد لك به علينا تبيعاً". فإن الأحسن الفصل بينها، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير " تبيعاً". " التاسع والثلاثون: العدول عن صيغة الماضى الى صيغة الاستقبال نحو " فريقاً كذبتم، وفريقاً تقتلون" - والأصل (قتلتم). " الأربعون: تغيير بنية الكلمة نحو " طور سينين" والأصل سيناء؛ ونحو " سلام على الياسين" والأصل (الياس). " تنبيه: قال ابن الصائغ: لا يمتنع فى توجيه الخروج عن الأصل، فى الآيات المذكورة امور أخرى، مع وجه المناسبة، فإن القرآن العظيم - كما جاء فى الأثر – لا تنقضى عجائبه". فيحق لنا أن نقول إن خروج القرآن على الأصل اللغوى، فى قواعد اللغة كلها، مراعاة للفاصلة، هل هو من الاعجاز فى اللغة؟ يقولون: " ان عجائبه لا تنقضى". فهل غرائب القرآن وعجائبه التى بها يخرج عن أصول اللغة، هى من الاعجاز فى اللغة؟ وتسخير اللغة فى بنيتها، وقواعد صرفها ونحوها، ليس من الاعجاز فى فصاحة اللغة، وبلاغة بيانها. ويقولون: ان الفاصلة تحتمل ما لا يحتمله سائر الكلام. فأجازوا للقرآن ما يجوز فى الشعر، وما هو بشعر. والفاصلة فيه قد تأتى متقاربة أو متماثلة، وقليلاً ما مطابقة كما فى السجع. فهل يكون فى فواصله أدنى من السجع؟ إن مخالفة الأصول فى لغته ونظمه مراعاةً للفاصلة، هل هى من الاعجاز فى فصاحة اللغة؟ الدراسة الرابعة اختلق المسلمون اقوال سخيفة لمسيلمة وغيره ممن تحدوا القرآن ليبينوا عظمة القرآن يزعم المسلمون ان لا انس ولا جان يقدر ان يأتى بمثل القرآن ويستدلون على ذلك بما نسب لمسيلمة بن حبيب ( الذى لقبه المسلمون بمسيلمة الكذاب ) حيث ينسب له – من وجهة نظر المسلمين – قدمائهم ومحدثيهم - اقوال سخيفة ساذجة وكنماذج لما نسبه المسلمون له اقرأ: جاء في مناهل العرفان للزرقاني : 2/242 " هل أتاك نبأ الخصم إذ هموا أن يعارضوا القرآن فكان ما أتوا به باسم المعارضة لا يخرج عن أن يكون محاولات مضحكة مخجلة أخجلتهم أمام الجماهير وأضحكت الجماهير منهم ، فباؤوا بغضب من الله وسخط من الناس ، وكان مصرعهم هذا كسبا جديدا للحق وبرهانا ماديا على أن القرآن كلام الله القادر وحده لا يستطيع معارضته إنسان ولا جان ، ومن ارتاب فأمامه الميدان . يذكر التاريخ أن مسيلمة الكذاب رغم أنه أوحي إليه بكلام كالقرآن ثم طلع على الناس بهذا الهذر( إنا أعطيناك الجواهر . فصل لربك وجاهر) . وبهذا السخف ( والطاحنات طحنا . والعاجنات عجنا . والخابزات خبزا ). وأنت خبير بأن مثل ذلك الإسفاف ليس من المعارضة في قليل ولا كثير وأين محاكاة الببغاء من فصاحة الإنسان وأين هذه الكلمات السوقية الركيكة من ألفاظ القرآن الرفيعة ومعانيه العالية ؟ وهل المعارضة إلا الإتيان بمثل الأصل في لغته وأسلوبه ومعانيه أو بأرقى منه في ذلك ؟ يقول حجة الأدب العربي فقيدنا الرافعي عليه سحائب الرحمة : إن مسيلمة لم يرد أن يعرض للقرآن من ناحية الصناعة البيانية ، إذ كانت هذه الناحية أوضح من أن يلتبس أمرها عليه أو أن يستطيع تلبيسها على أحد من العرب ، وإنما أراد أن يتخذ سبيله إلى استهواء قومه من ناحية أخرى ظنها أهون عليه وأقرب تأثيرا في نفوسهم ، ذلك أنه رأى العرب تعظم الكهان في الجاهلية ، وكانت عامة أساليب الكهان من هذا السجع القلق الذي يزعمون أنه من كلام الجن ، كقولهم يا جليح أمر نجيح رجل فصيح .. فكذلك جعل يطبع مثل هذه الأسجاع في محاكاة القرآن ليوهمهم أنه يوحى إليه كما يوحى إلى محمد ، كأنما النبوة والكهانة ضرب واحد ، على أنه لم يفلح في هذه الحيلة أيضا ، فقد كان كثيرون من أشياعه يعرفونه بالكذب والحماقة ويقولون إنه لم يكن في تعاطيه الكهانة حاذقا ولا في دعوى النبوة صادقا ، وإنما كان اتباعهم إياه كما قال قائلهم كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر . ويروي التاريخ أن أبا العلاء المعري وأبا الطيب المتنبي وابن المقفع حدثتهم نفوسهم مرة أن يعارضوا القرآن ، فما كادوا يبدؤون هذه المحاولة حتى انتهوا منها بتكسير أقلامهم وتمزيق صحفهم لأنهم لمسوا بأنفسهم وعورة الطريق واستحالة المحاولة ، وأكبر ظني وظن الكاتبين من قبلي أنهم كان يعتقدون من أعماق قلوبهم بلاغة القرآن وإعجازه من أول الأمر وإنما أرادوا أن يضموا دليلا جديدا إلى ما لديهم من أدلة ذاقوها بحاستهم البيانية من باب ولكن ليطمئن قلبي ، ويا ليت شعري إن لم يتذوق أمثال هؤلاء بلاغة القرآن وإعجازه فمن غيرهم ؟" وجاء في تفسير ابن كثير 2/412 " وأما مسيلمة فمن شاهده من ذوي البصائر علم أمره لامحاله بأقواله الركيكة التي ليست بفصيحة وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة ، وكم من فرق بين قوله تعالى الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولانوم إلى آخرها وبين علاك مسيلمة قبحه الله ولعنه ( ياضفدع بنت ضفدعين . نقي كم تنقين . لاالماء تكدرين . ولاالشارب تمنعين .) وقوله قبحه الله ( لقد أنعم الله على الحبلى . إذ أخرج منها نسمة تسعى . من بين صفاق وحشى . )، وقوله خلده الله في نار جهنم ( وقد فعل الفيل . وما أدراك ماالفيل . له زلقوم طويل .) ، وقوله أبعده الله عن رحمته( والعاجنات . عجنا والخابزات خبزا . واللاقمات لقما . إهالة وسمنا ، إن قريشا قوم يعتدون .) إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يتلفظوا بها إلا على وجه السخرية والإستهزاء ، ولهذا أرغم الله أنفه وشرب يوم حديقة الموت حتفه ومزق شمله ولعنه صحبه وأهله وقدموا على الصديق تائبين وجاءوا في دين الله راغبين ، فسألهم الصديق خليفة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنه أن يقرأوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة لعنه الله ، فسألوه أن يعفيهم من ذلك ، فأبى عليهم إلا أن يقرؤوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس فيعرفوا أفضل ماهم عليه من الهدى والعلم ، فقرأوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه ، فلما فرغوا قال لهم الصديق رضي الله عنه : ويحكم أين كان يذهب بعقولكم ، والله إن هذا لم يخرج من إل ، وذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة وكان صديقا له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد ، فقال له مسيلمة ويحك ياعمرو ماذا أنزل على صاحبكم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة ، فقال لقد سمعت أصحابه يقرأون سورة عظيمة قصيرة ،فقال وماهي ؟ فقال والعصر إن الإنسان لفي خسر.. إلى آخر السورة ، ففكر مسيلمة ساعة ثم قال وأنا قد أنزل علي مثله ، فقال وماهو ؟ فقال( ياوبر ياوبر . إنما أنت أذنان وصدر . وسائرك حقر . نقر كيف ترى ياعمرو ) فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب . فاذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه ، فكيف بأولي البصائر والنهى وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجى ؟." وجاء في تاريخ الطبري 2/276 " كان عمر بن الخطاب يقول والله كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن طلحة بن الأعلم عن عبيد بن عمير عن أثال الحنفي وكان مع ثمامة بن أثال قال وكان مسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع الناس منه على قبيح وكان معه نهار الرجال بن عنفوة وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن وفقه في الدين فبعثه معلما لأهل اليمامة على مسيلمة وليشدد من أمر المسلمين فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة شهد له أنه سمع محمدا صلى الله عليه وسلم يقول إنه قد أشرك معه فصدقوه واستجابوا له وأمروه بمكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئا إلا تابعه عليه وكان ينتهي إلى أمره وكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم ويشهد في الأذان أن محمدا رسول الله وكان الذي يؤذن له عبدالله بن النواحة وكان الذي يقيم له حجير بن عمير ويشهد له وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة قال صرح حجير فيزيد في صوته ويبالغ لتصديق نفسه وتصديق نهار وتضليل من كان قد أسلم فعظم وقاره في أنفسهم قال وضرب حرما باليمامة فنهى عنه وأخذ الناس به فكان محرما فوقع في ذلك الحرم قرى الأحاليف أفخاذ من بني أسيد كانت دارهم باليمامة فصار مكان دارهم في الحرم والأحاليف سيحان ونمارة ونمر والحارث بنو جروة فإن أخصبوا أغاروا على ثمار أهل اليمامة واتخذوا الحرم دغلا فإن نذروا بهم فدخلوه أحجموا عنهم وإن لم ينذروا بهم فذلك ما يريدون فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم فقال أنتظر الذي يأتي من وفيهم ثم قال لهم والليل والذئب الأدلم والجذع ما انتهكت أسيد من محرم فقالوا أما محرم استحلال الحرم وفساد الأموال ثم عادوا للغارة وعادوا للعدوى فقال أنتظر الذي يأتيني فقال والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس فقالوا أما النخيل مرطبة فقد وأما الجدران يابسة فقد هدموها فقال اذهبوا وارجعوا فلا حق لكم وكان فيما يقرأ لهم فيهم إن بني تميم قوم طهر لقاح لا مكروه عليهم ولا إتاوة نجاورهم ما حيينا بإحسان نمنعهم من كل إنسان فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن وكان يقول والشاء وألوانها وأعجبها السود وألبانها والشاة السوداء واللبن الأبيض إنه لعجب محض وقد حرم المذق فما لكم لا وكان يقول يا ضفدع ابنة ضفدع نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين وكان يقول زرعا حصدا والذاريات قمحا والطاحنات طحنا والخابزات خبزا ثردا لقما إهالة وسمنا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر ريفكم والمعتر فآووه والباغي قال وأتته امرأة من بني حنيفة تكنى بأم الهيثم فقالت إن نخلنا لسحق وإن لجرز فادع الله لمائنا كما دعا محمد لأهل هزمان فقال يا نهار ما تقول هذه فقال إن أهل هزمان أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فشكوا بعد مائهم وكانت آبارهم جرزا ونخلهم أنها سحق فدعا لهم فجاشت آبارهم وانحنت كل نخلة قد انتهت حتى وضعت جرانها لانتهائها فحكت به الأرض حتى أنشبت عروقا ثم قطعت من دون ذلك فعادت فسيلا مكمما ينمى صاعدا قال وكيف صنع بالآبار قال دعا بسجل فدعا لهم فيه ثم تمضمض بفمه منه ثم مجه فيه فانطلقوا به حتى فرغوه في تلك الآبار ثم سقوه نخلهم ففعل النبي ما حدثتك وبقي الآخر إلى انتهائه فدعا مسيلمة بدلو من ماء فدعا لهم فيه ثم تمضمض منه ثم مج فيه فنقلوه فأفرغوه في آبارهم فغارت مياه تلك الآبار وخوى نخلهم وإنما استبان ذلك بعد مهلكه وقال له نهار برك على بني حنيفة فقال له وما التبريك قال كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمدا صلى الله عليه وسلم فحنكه ومسح رأسه فلم يؤت مسيلمة بصبي فحنكه ومسح راسه إلا قرع ولثغ واستبان ذلك بعد مهلكه وقالوا تتبع حيطانهم كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يصنع فصل فيها فدخل حائطا من حوائط اليمامة فتوضأ فقال نهار لصاحب الحائط ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتى يروى ويبتل كما صنع بنو المهرية أهل بيت من بني حنيفة وكان رجل من المهرية قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الدفع فنقله معه إلى اليمامة فأفرغه في بئره ثم نزع وسقى وكانت أرضه تهوم فرويت وجزأت فلم تلف إلا خضراء ففعل فعادت يبابا لا ينبت مرعاها وأتاه رجل فقال ادع الله فإنها مسبخة كما دعا محمد صلى الله عليه وسلم لسلمي على أرضه فقال ما يقول يا نهار فقال قدم عليه سلمي وكانت ارضه سبخة فدعا له وأعطاه سجلا من ماء ومج له فيه فأفرغه في بئره ثم نزع فطابت وعذبت ففعل مثل ذلك فانطلق الرجل ففعل بالسجل كما فعل سلمي فغرقت أرضه فما جف ثراها ولا أدرك ثمرها وأتته امرأة إلى نخل لها يدعو لها فيها فجزت يوم عقرباء كلها وكانوا قد علموا واستبان لهم ولكن الشقاء غلب عليهم كتب إلي السري قال حدثنا شعيب عن سيف عن خليد بن ذفرة النمري عن عمير بن طلحة النمري عن أبيه أنه جاء اليمامة فقال أين مسيلمة قالوا مه رسول الله فقال لا فلما جاءه قال أنت مسيلمة قال نعم قال من يأتيك قال رحمن قال أفي نور أو في ظلمة فقال في ظلمة فقال أشهد أنك كذاب وأن محمدا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر فقتل معه يوم عقرباء " وجاء في السيرة النبوية لابن هشام 5/273 " إن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلماأسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا قال فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم وقال أما انه ليس بشركم مكانا أي لحفظه ضيعة أصحابه وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبؤ مسيلمة قال ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوه بما أعطاه فلما انتهوا الى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد أشركت في الأمر معه وقال لوفده الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك " وجاء في المعجم الكبير 9/194 8956 " حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال ثم جاء رجل إلى بن مسعود فقال إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يقرأون شيئا لم ينزله الله الطاحنات طحنا العاجنات خبزا اللاقمات لقما قال فقدم بن مسعود بن النواحة إمامهم فقتله واستكثر البقية وقال وقال لا أجزرهم اليوم الشيطان سيروهم إلى الشام حتى يرزقهم الله توبة أو يفنيهم الطاعون " وجاء في مسند الشاشي 2/181 746 " حدثنا عيسى بن أحمد أنا يزيد بن هارون نا إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم أتى ابن مسعود رجل فقال إنى مررت بمسجد من مساجد بنى حنيفة فسمعت يقرأ فيها بقراءة ما أنزلها الله على محمد عليه السلام قال ما يقولون قال يقولون والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا ثردا واللاقمات لقما فأرسل إليهم عبد الله فأتى بسبعين منهم وأميرهم عبد الله بن النواحة فقال له عبد الله ألم تكن تخبرنا أنك على ديننا قال بلى ولكن كنت أسر هذا قال فأمر به عبد الله فضربت عنقه ثم نظر إليهم فقال ما نحن هؤلاء الشياطين اجلوهم إلى الشام فإما أن يفنيهم الله تعالى بالطاعون وإما أن يتوب على من يشاء أن يتوب عليهم " وجاء في مصنف عبد الرازق 10/169 " خبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاء رجل إلى ابن مسعود فقال إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يقرءون شيئا لم ينزله الله الطاحنات طحنا العاجنات خبزا اللاقمات لقما قال فقدم ابن مسعود ابن النواحة أمامهم فقتله واستكثر البقية فقال لا أجزرهم اليوم الشيطان سيروهم إلى الشام حتى يرزقهم الله توبة أو يفنيهم الطاعون ." وجاء في المغني لابن قدامة 9/18 روى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة أن رجلا من بني سعد مر على مسجد بني حنيفة فإذا هم يقرؤون برجز مسيلمة فرجع إلى ابن مسعود فذكر ذلك له فبعث إليهم فأتي بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم إلا رجلا منهم يقال له ابن النواحة قال قد أتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله وجاء في مصنف ابن أبي شيبة 6/439 و في السنن الكبرى للبيهقي 5/205 ، وفي شرح معاني الآثار2/211 حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال خرج رجل يطرق فرسا له فمر بمسجد بني حنيفة فصلى فيه فقرأ لهم إمامهم بكلام مسيلمة الكذاب فأتى ابن مسعود فأخبره فبعث إليهم فجاءهم فاستتابهم فتابوا إلا عبد الله بن النواحة فإنه قال له يا عبد الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأما اليوم فلست برسول يا خرشة قم فاضرب عنقه فقام فضرب عنقه وجاء في مسند البزار 5/188 1787 حدثنا يوسف بن موسى قال نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال خرج رجل يريد أن يطرق فرسه فمر بمسجد بني حنيفة فدخل يصلي فإذا إمامهم يقرأ بكلام مسيلمة الكذاب فأتى عبد الله فأخبره فأرسل إليهم فاستتابهم فتابوا إلا عبد الله بن النواحة فإنه قال له يا عبد الله بن النواحة سمعت رسول الله يقول لولا إنك رسول لضربت عنقك فأما اليوم فلست برسول يا فلان قم إليه فاضرب عنقه وفي مسند ابن أبي الشيبة 6/440: 32753 حدثنا شبابة قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كان ناس من بني حنيفة ممن كانوا مع مسيلمة الكذاب يفشون أحاديثه ويتلونه فأخذهم ابن مسعود إلى عثمان فكتب إليه أن أدعهم إلى الإسلام فمن شهد منهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الإيمان على الكفر فاقبل ذلك منهم وخل سبيلهم فإن أبوا فاضرب أعناقهم فاستتابهم فتاب بعضهم وأبى بعضهم فضرب أعناق الذين أبوا ومن بين علماء المسلمين من انتقد هذه الاقوال المنسوبة لمسيلمة وقال انه لا يعقل ان يكون مسيلمة بهذه الضحالة ففي هذا المقال لفضيلة الأستاذ الشيخ على العمارى ص324 بعنوان "معارضات القرآن" في رسالة الاسلام العدد 43 وهذا موجود على الرابط نقرأ : http://www.taghrib.org/arabic/nashat/esdarat/kotob/arabic/books/resalatalislam/1 / صفحة 324 / معارضات القرآن لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ علي العماري المدرس بالأزهر ـ 2 ـ ثم نعود إلى نسق هذه المرويات نتبينه، ونعوض نقد العلماء لها، ولكنا لا نقف عندما وقفوا، هم نقدوها ليدللوا على سقوطها وتفاهتها، ونحن نتخذ من هذا النقد ومما نراه فيها وسيلة إلى ما أسلفنا من إنكارها وردها. ولسنا ندافع عن مسيلمة وأشباهه، ولا نريد أن نبرئ ساحتهم، بل إننا نقصد أن نبين وجه الحق، والحق وحده هدف جميل، وليس في إثبات هذه المعارضات ما يخدم القرآن لأنه فوق كل كلام، شهد بذلك أعداؤه، ولأنه أعجز أساطين البلاغة من العرب ومن غيرهم فلا يزيده شرفاً أن يقول بعض من يتعاطى البلاغة، أو بعض المتنبئين كلاماً لا يدانيه ولا يقف أمامه، ينبو في بعض الأحايين عن أذواق أوساط الناس. وقد حكم التاريخ على مسيلمة بأنه كذاب، ولم نر أحداً ـ بعد عهده ـ تعصب له أو آمن به، أو دافع عن دعوته، بل رأينا من أتباعه من يقول له. أشهد أنك كذاب ولكن كذاب ربيعة خير عندنا من صادق مضر. وأمر طليحة وسجاح خير من أمر مسيلمة فقد أسلم طليحة وحسن إسلامه، وكذلك أسلمت سجاح، فلا حاجة بنا إلى أن نظل نتابع وضاع الأخبار لنحط من شأن هؤلاء. من هذه المعارضات قول مسيلمة: (والمبذرات زرعاً، والحاصدات حصداً، / صفحة 325 / والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً والخابزات خبزاً والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، أهالة وسمناً، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والعتر فآووه والباغي فناوئوه) وقوله: (والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فمالكم لا تمجعون). ونلاحظ في المعارضة الأولى الاستقصاء الذي لا يعرفه إلا أهل الصناعة من محترفي الكتابة، أما العربي الأول فما أظن أن يبلغ به التتبع والاستقصاء هذا الحد الذي نراه في هذه المعارضة فيبتدئ ببذر الزرع وينتهي بلقم الثريد، وما بقي عليه، إلا أن يختم عبثه بالخاتمة الطبيعية لهذا الترتيب!. وطبيعة العربي تميل ميلاً شديداً إلى الايجاز، وما كان يخفي على مسيلمة سر قوة الكلام، وضرورة حذف الفضول طبعاً ونحيزة. وقد وجدت في كتب التاريخ والسير كلمات لمسيلمة ـ غير ما عارض به القرآن ـ كلها موجزة غاية الإيجاز، مع قوة وفصاحة. الأولى: قوله لسجاح التميمية حين اجتمعت به: هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب. وهذه الكلمة تدل على مكان الرجل من الفصاحة وسعة الحيلة، وحسن البصر بالأمور، وجميل التأتي لما يريد وهل أوقع في نفس سجاح، وأكثر تأثيراً في نفوس قومها من أن يخيل لها أنه سيأكل بقومه وقومها العرب، وهل كانت تقصد سجاح غير هذا? وهل كان يقصد من أتبعوها إلا أكل العرب والاستيلاء عليهم. فإذا قارنا بين كلمته هذه، وما شعر به لسجاح وجدنا فارقاً كبيراً في الأسلوب وفي الروح. هذه الكلمة صادرة عن نفس جادة حازمة تتطلب أمراً عظيماً، أما الشعر فصادر عن نفس ماجنة عابثة لا تدرك ما وراء هذه المغامرة من المخاطر. الثانية: قوله حين استحر القتل في قومه، وأخذتهم سيوف المسلمين من كل / صفحة 326 / جانب، وقد سأله قومه ما وعد به، فقال: أما الدين فلا دين، قاتلوا عن أحسابكم. فأي إيجاز، وأي قوة، وأي إيجاء وتحميس، أقوى من هذا، (قاتلوا عن أحسابكم). الثالثة: وإن كانت دون الكلمتين السابقتين في قوتها إلا أن عليها سمة الوجازة في مقام يستدعى التطويل، كتب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من مسيلمة رسول الله إلى محمد بن عبد الله. أما بعد فإني قد أشركت معك في الأمر، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوم يعتدون. وقد روى صاحب الأغاني في ترجمة الأغلب العجلي صورة هذه الرسالة ـ وهي مشهورة عن مسيلمة ـ رواها لسجاح على أنها من قرآنها الذي أنزل عليها. والمنصف لا يشك في أن صاحب هذه الكلمة الموجزة الصارقة ليس صاحب هذه المعارضات الركيكة المسهبة في بعض الأحايين. وبسبيل من ذلك أن نقارن بين ما روي عن طليحة الأسدي من معارضة للقرآن وبين ما جاء في كتب التاريخ من اعتذاره لسيدنا عمر عن قتله رجلين من كبار الصحابة. روى سهل بن يوسف قال: أخذ المسلمون رجلاً من بني أسد فأتى به خالد بالغمر ـ وكان عالماً بأمر طليحة ـ فقال له خالد: حدثنا عنه، وعما يقول، فزعم أن مما أتى به (والحمام واليمام والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغ ملكنا العراق والشام). وجاء في الطبري(1)، أن طليحة وفد على عمر ـ وكان طليحة قد أسلم ـ فقال له عمر: أنت قائل عكاشة وثابت ـ يريد عكاشة بن محصن وثابت بن أكرم ـ وهما سيدان من سدات المسلمين وفارسان من فرسانهم ـ والله ــــــــــ (1) تاريخ الطبري ج3 ص239. /صفحه 327/ لا أحبك أبداً، فقال طليحة: يا أمير المومنين، ماتهم من رجلين كرّمهما الله بيدى ولم يهنى بأيديهما؟! فإننا نجد الفرق واضحاً بين معرضته وعبارته أمام سيدنا عمر، هذه كلمة فيها روح أمكن بها الرجل أن يؤثر على عمر ـ وهو من هوـ أو جز وأثّر، وذكّر عمر بأن الرجلين ذهبا إلى الجنة فأكرمها الله على يدى طليحة، وهو ـ أعنى طليحة ـ يأمل أن يدخلها، ولو قتلاه لمات على الكفر، بل على أقبح الكفر، وأى شىء أحب إلى عمر من أن تكون الجنة نصيب عكاشة وثابت، وأن يسلم طليحة بعد كفرته الصلعاء! على أن فى نص الطبرى ما يؤكد افتعال هذه المعارضة، فسهل بن يوسف لا نعرف عنه شيئاً. وقد روى عن رجل، رجل مجهول، وصدر روايتة بقوله «زعم» على أن فى العبارة مخالفة نحوية فالصرد مفرد، وجمعه صردان، وفى ضمن ضمير الجمع، فكيف عاد على المفرد ثم لماذا التزم طليحة القسم بهذه الطيور الصغيرة، على أمر عظيم؟! والمعارضة الثانية لمسيلة، فيها تكرار لا مبرر له، فقد أقسم بالشاء وألوانها ثم بالشاء السوداء، وكذلك أقسم الألبان ثم باللبن الأبيض، وربما تحذلق بعض العارفين فقال، أن القس بالشاة السوداء تخصيص بعد تعميم، وكذلك اللبن الأبيض، ولو عجبت من وصف اللبن بالأبيض لقال لك من يجد لكل سؤال جواباً أنه نعت كاشف، ولكن للتخصيص بعد التعميم فى كلام العرب الصميم مغزى، وللنعت الكاشف سر، ولا أرى هنا مغزى ولا سرا. أما الكلمة الأخيرة فهى أشبه بأن تكون موضع الفكاهة، أو مركز الدائرة من السورة! فما خطب المجمع؟ وكيف عزف قوم مسيلمة عنه وتركوه؟ حتى جعل يتعجب فى حسرة من تركههم أياه، ويقسم بأشد الأيمان غلظا على أنه لا عيب /صفحه 328/ فيه، وماذا ينقص نبوته أن يترك قومه المجع! ان المجمع هو أكل التمر ثم شرب اللبن عليه، أو عجن التمر باللبن، وهو طعام ما أظن العرب تركوه وقد أمكنهم، وهو ـ ولا شك ـ أفضل من المذق (خلط اللبن بالماء) فكيف اعتلت طبائع هؤلاء الناس وانحرفت أمزجتهم فحرموا المجع، وحللوا المذق فجاء مسيلمة برسالته ليردهم عن هذا الوضع المقلوب؟! ولا غرو فالرجل كما يقول أرسل فى محقرات الأمور! ولكن كيف يعفى أتباعه من تعاليم الاسلام، ويجرم عليهم خلط اللبن بالماء؟! ويشغل باله التحريم حتى يوحى إليه فيه بقرآن يبتدى بالقسم وينتهى بهذا الحكم العظيم.! واذا كانت المعارضة الأولى تدرجت إلى أمر عظيم، وجاءت مؤكدة أن قوم مسيلمة فضلوا على أهل الوبر والمدر، فان المعارضة الثانية تدرجت إلى أمر عظيم أيضا، وهو تحريم المذق، وتحليل المجع! ومن هذه المعارضات «الفيل، ما الفيل، له ذنب وبيل، وخرطوم طويل» وفى رواية الخطابى «الفيل وما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له مسفر طويل، وذهب أثيل، وما ذاك من خلق ربنا بقليل» وقد نسبها الرافعى لمسيلمة، ونسبها الخطابى لمجهول، ولعل هذا الاختلاف فى الرواية هو من اختلاف القراءات! وقد أحسن مسيلمة حين جمع بين القول فى الضفدع والقول فى الفيل، وكيف لا؟ وأحدهما بحرى والآخر برى، وأحدهما حيوان ضخم كبير والآخر صغير لا يكدر ماء ولا يمنع شاربا «والعجب من هذا النبى الذى يقول فى الفيل، وقد وصف نفسه بأنه أرسل فى محقرات الأمور، كأن الفيل شىء تافه صغير، وإن قال هو غير ذلك حين أعلن أنه ليس من خلق ربنا بقليل. وقد تفنن الخطابى فى نقد هذه المعارضة حيث قال: «يقال لصاحب الفيل، يا فائل، افتتحت قولك بالفيل ما الفيل، وما أدراك مالفيل، فهوّلت وروعت، /صفحه 329/ وصعدت وصوبت، ثم أخلفت ما وعدت، وأخدجت ما ولدت حين انقطعت، وعلى ذكر الذنب والمشفر اقتصرت ولو كنت تعرف شيئا من قوانين الكلام وأنواع المنطق ورسومه لم تحرف القول عن جهته ولم تضعه فى غير موضعه، أما علمت يا عاجز أن مثل هذه الفاتحة انما تجعل مقدمة لأمر عظيم الشأن فائت الوصف متناهى الغاية فى معناه كقول الله تعالى «الحاقة ماالحاقة وما أدراك مالحاقة» و «القارعة ماالقارعة وما أدراك ماالقارعة» فذكر يوم القيامة وأتبعها من ذكر أوصافها وعظيم أهوالها مالاق بالمقدمة التى أسفلها وصدر الخطبة بها فقال «يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش» إلى آخر السورة وأنت علقت هذا القول بدابة يدركها البصر فى مدى اللحظة ويحيط بمعانيها العلم فى اليسير من مدة الفكر، ثم اقتصرت من عظيم ما فيها من العجب على ذكر المشفر والذنب، فما أشبه قولك هذا ألا بما أنشدنيه بعض شيوخنا لبعض نظرائك. وأنى وأنى ثم أنى وأننى *** اذا انقطعت نعلى جعلت لها ششعا أىّ صغير ما أتيت به فى عجز كلامك من عظيم ما أصميته فى صدره، ويسير ما رضيت به فى أخره من كثير ما أنميته فى أوله، واذ قد دلتك فيالة رأيك وسوء اختيارك على معارضة القرآن بذكر الفيل وأوصافه فهلا أتيت بما هو أشف قيلا، وأشفى وأجمع لخواص نعوته وأوفى، فتذكر ما أعطيته هذه البهيمة العجماء من الذهن والفطنة التى بها تفهم سائسها ما يومىء به إليها من تدبيره، وهلا تعجبت وعجبت من ذلك من حسن مواتاتها وطاعتها له اذا أغراها، وقرب ارتداعها اذا زجرها ونهاها، وهلا قرنت الى ذكر مشفرها ذكر نابيها اللذين بهما تصول وبسنانهما تطعن وتجرح، وكيف أغفلت أمر أذينها العريضتين اللتين تلحفهما وجهها، وتذهب بتحريكهما البق والذباب عن صماخيها وعينيها، وبهما تروح على نواحى رأسها، وكيف لم تفطن لموضع التدببير من قصر رقبتها /صفحه 330/ واندماج عنقها فانها لو طالت لم تقلّ رأسها ولأوهنها ثقل حمله فاذ قد منعت امتداد العنق فقد عوضت به انسدال المشفر لتتناول به من وجه الأرض حاجتها من القوت والعلف وتدلو به شربها من الماء وتملأ كالسقاء فتنضح به أعضاءها اذا شاءت ثم قد منعت البروك بأن لم تجعل لها مفاصل تنثنى، ولو أنها بركت لم تقدر على النهوض اذا ليس لها عنق تتطاول به كالبعير الذى يهنع بعنقه وينبعث ويثور فيما يشبه هذه الأمور من نعوت خلقها، وعجائب تركيبها». ومن هذه المعارضات ما حكى عن بعضهم من قوله: «الم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف وحشى» ولم تنسب هذه المعارضة فى أكثر الكتب، ونسبها الطبرى لمسيلمة، وقال أنه قالها فى حضرة سجاح ومما قال فى حضرتها «إن الله خلق النساء.... وجعل الرجال لهن أزواجا...» فلما أتم هذه الكلمة على أفحش ما تتم به الكلمات قالت له: أشهد أنك نبى! ولا أدرى لماذا اقتصر الوحى فى حضرة سجاح على ما يتعالق بالزوج والنكاح والحمل والوضع؟ وهل يمكن أن نفهم من هذه الكلمة (أشهد أنك نبى) بعد أن قرأ لها وحيه الواصف لما يكون بين الرجل والمرأة أن الرواة لم يقصدوا إلا إلى السخرية والتهكم، وإظهار طبيعة المرأة الغالبة عليها حتى فى أحرج الأوقات، وأكثرها حاجة إلى الجد والصرامة. فهل كان مسيلمة عابثا وهو يدفع الآلاف المؤلفة من قومه إلى أتون الحرب، وهل كانت سجاح عابثة كل همها أن تجد رجلا يتزوجها؟! لعلها لم تجد فى قومها نبيا يكون كفئا لها فبحثت عن مسيلمة حتى وجدت كفئها! أن الوضع جد ظاهر فى كل ما يتصل بأمر اجتماع هذين المتنبئين، وهو يرشد إلى الوضع قى بقية المعارضات. ثم نعود إلى قصة الحملى، ونقد الخطابى لها، قال: أن أول ما غلط فيه هذا الجاهل أنه وضع كلمة الانتقام فى موضع كلمة الأنعام حين قال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى. وأنما تستعمل هذه اللفطة فى العقوبات ونحوها كقوله: «الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل» وإنما وجه الكلام مما رامه من المعنى أن يقول: ألم تر إلى ربك كيف لطف بالحبلي… وكيف أنعم عليها، أو نحو هذا من الكلام الذى يجرى مجرى الامتنان والأنعام(1)..." من بحوث مجمع اللغة العربية(2) الدراسة الخامسة حرص محمد على السجع اوقعه فى اخطاء لغوية يقول كامل النجار : · · · سينين أم سيناء؟ والسجع هو العمود الفقري في لغة القرآن، لدرجة ان محمداً قد غير اسماء اماكن واشياء لتتماشى مع السجع في السورة. فمثلاً في سورة التين، الاية الثانية، نجد ان " طور سيناء " قد تغير الى " طور سينين " ليتماشى مع السجع: 1- " والتين والزيتون " 2- " وطور سينين " 3- " وهذا البلد الامين " 4- " لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ". وليس هناك بالطبع مكان او جبل اسمه طور سينين، وكلمة طور نفسها ليست كلمة عربية وانما كلمة عبرية وتعني " جبل"، وهذا الجبل في سيناء، ولذلك دُعي جبل سيناء او طور سيناء. ونجده قد استعمل الاسم الصحيح في سورة " المؤمنون" الاية 20: " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغٍ للآكلين". · · · إلياس ام إل ياسين ونجد في سورة الانعام، الآية 85، ذكر بعض الانبياء: " وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس كل من الصالحين". ونجد كذلك في سورة الصافات، الاية 123 إلياس يُذكر مرة اخرة: " وان إلياس لمن المرسلين". ولكن فجأةً في الآية 130 من نفس السورة يتغير اسمه ليصبح إلياسين، ليتماشى مع السجع: " سلام على إلياسين". وهذه ليست " آل ياسين" وانما " إل ياسين" بكسر الالف الاولى. · · · التكرار الممل والتكرار في بعض ألآيات يكون مملاً. فخذ مثلاً سورة " الرحمن" وبها 78 آية كلها مسجوعة على الالف والنون ما عدا آيات بسيطة، ولسبب ما أدخل المؤلف " فبإي ألاء ربكما تكذبان" بعد كل آية ابتداءاً من ألآية الثانية عشر. وتكررت هذه العبارة 31 مرة في سورة طولها 78 آية. فاي غرض يخدمه هذا التكرار الممل. · · · غسلين... وفي سورة الحاقة، الآية 36: " ولا طعام الا من غسلين". ولا احد يدري معنى غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، " ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين". الدراسة السادسة لزوم السجع جعل كاتب القرآن يستخدم خلال بدلا من خلة كما هو فى أيات اخرى البقرة 254 أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) واراد الكاتب ان يقول نفس الفكرة فى سورة اخرى كان ملتزما فيها بسجع مختلف فى اواخر الايات , فلو قال ( خلة ) لضاع السجع , فلم يتقيد باللفظ المناسب من اجل السجع وجاء بكلمة ( خلال ) بدلا من خلة !! ابراهيم 31 قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ هذه الاية موجودة فى وسط أيات مسجوعة بكلمات تنتهى بالف وراء مثل قرار , بوار , نار , نهار , كفار فتشترك جميعها فى صوت ممدود بسبب حرف الالف , فلما جاء للاية موضوع الدراسة فارادها ممدودة هى الاخرى لتتناغم مع سجع الايات فوجد ما يحقق له ذلك فى صيغة الجمع من كلمة " خلة " وهى " خلال" واليك تلك الاية وهى فى وسط الايات المسجوعة وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ولقد اورد السيوطى ما يؤكد ذلك , فمن بين عشرات الايات التى جاءت مسجوعة ( تحتوى على سجع يسميها العلماء فواصل ) مخالفة لما كان يجب ان تأتى عليه لغويا وبنائيا اورد رأى الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي فى كتابه (أحكام الرأي في أحكام الآي ) الذى جاء به عشرات الامثلة منها : الرابع والعشرون: الاستغناء بالجمع عن الإفراد نحو لا بيع فيه ولا خلال أي ولا خلة كما في الآية الأخرى وجمع مراعاة للفاصلة ( الاتقان فى علوم القرآن , فصل : النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي ) الدراسة السابعة لزوم السجع جعل كاتب القرآن يستخدم زمن المضارع بدلا من الماضى فى واقعة حدثت وانتهت البقرة 87 وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ يتحدث عن واقعة فى الماضى خاصة ببنى اسرائيل وانبيائهم الذين كذبوا بعضهم وقتلوا بعضهم , وبدلا من ان يعبر عن ذلك بالقول : فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا قتلتم اضطر ان يضرب السياق الزمنى بعرض الحائط لكى يحتفظ بالسجع والقافية التى تنتهى فى الايات التى تسبق هذه الاية والتى تعقبها بكلمات موزونة على الواو والنون مثل : تكتمون , تعقلون , تعملون , يعلنون , يظنون , يكسبون , خالدون , معرضون , تشهدون , تقتلون , يؤمنون , ينصرون !! واليك الاية فى وسط مجموعة من الايات المسجوعة الاخرى لتوضيح حرصه على السجع حتى لو كلفه ذلك رداءة المعنى ومخالفته للمنطق اللغوى السليم وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) لقد اورد السيوطى ما يؤكد ذلك , فمن بين عشرات الايات التى جاءت مسجوعة ( تحتوى على سجع يسميها العلماء فواصل ) مخالفة لما كان يجب ان تأتى عليه لغويا وبنائيا اورد رأى الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي فى كتابه (أحكام الرأي في أحكام الآي ) الذى جاء به عشرات الامثلة منها : " التاسع والثلاثون: العدول عن صيغة الماضى الى صيغة الاستقبال نحو " فريقاً كذبتم، وفريقاً تقتلون" - والأصل (قتلتم). ( الاتقان فى علوم القرآن , فصل : النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي ) الدراسة الثامنة لزوم السجع جعل كاتب القرآن يستخدم كلمة عجاب بدلا من عجيب سورة ص 4-5 وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ بسبب السجع الذى بدأه بقافية تنتهى بالالف والباء كما فى ( كذاب ) اضطر ان ينهى الشطرة الثانية بنفس السجع فقال ( عجاب ) بدلا من ( عجيب ) ولقد اورد السيوطى ما يؤكد ذلك , فمن بين عشرات الايات التى جاءت مسجوعة ( تحتوى على سجع يسميها العلماء فواصل ) مخالفة لما كان يجب ان تأتى عليه لغويا وبنائيا اورد رأى الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي فى كتابه (أحكام الرأي في أحكام الآي ) الذى جاء به عشرات الامثلة منها : " الثامن والعشرون: إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو " إن هذا لشىء عجاب" أوثر على (عجيب) لذلك - مراعاة للفاصلة. ( الاتقان فى علوم القرآن , فصل : النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي ) الدراسة التاسعة لزوم السجع جعل كاتب القرآن يستخدم كلمة مستورا بدلا من ساترا مضحيا بالمعنى اللغوى والمنطقى لمفهوم الآية الاسراء 43 – 47 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا اراد ان يقول وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا ساترا لكن سيضيع السجع لو قال كذلك لان ما قبل هذه الاية وما بعدها مسجوع على قافية تنتهى بالراء والالف مثل كبيرا وغفورا ونفورا ومسحورا , فلو قال ساترا لضاعت الموسيقى السجعية , فماذا يفعل ؟ ضحى بالمعنى فقال ( حجابا مستورا ) !! فجعل الحجاب مفعولا بينما هو فاعلا !! فالحجاب الهدف منه ان يكون ساترا ( فاعلا ) وليس ( مستورا ) اى يحتاج لشئ يستره !! اى ان الحجاب يحتاج لحجاب آخر يستره !! وهكذا ادى حرصه على سجع الكهان الى معانى حمقاء لم يقصدها , وهذه المعانى تخالف العقل والمنطق اللغوى السليم ولقد ادرك علماء المسلمين هذا المأخذ وبدلا من الاعتراف بخطأ القرآن فى ذلك اكتفوا بتقرير الحالة وقالوا ان القرآن جعل الفاعل مفعولا وقصد به الفاعل وليس المفعول !! لقد اورد السيوطى ما يؤكد ذلك , فمن بين عشرات الايات التى جاءت مسجوعة ( تحتوى على سجع يسميها العلماء فواصل ) مخالفة لما كان يجب ان تأتى عليه لغويا وبنائيا اورد رأى الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي فى كتابه (أحكام الرأي في أحكام الآي ) الذى جاء به عشرات الامثلة منها : الحادي والثلاثون: وقوع مفعول موقع فاعل كقوله {حجابًا مستورًا} {كان وعده مأتيًا} أي ساترًا وآتيًا. ( الاتقان فى علوم القرآن , فصل : النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي ) الكاتب: سواح المصدر: شبك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
لاخطاء اللغوية والإملائية في القرآن - جزء 1
أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدو فيه إختلافا كبيرا - سورة النساء يعتقد معظم المسلمين أن في القرآن سمات رب...
-
الجزء الأول -القرآن وسجع الكهان وشعراء ما قبل الاسلام. الدراسة الثانية فواصل آيات القرآن تؤكد ان النص القرآنى نصا مسجوعا مثله مثل سجع ال...
-
((إذا انطلق الإنسان في بحثه عن الحقيقة من مقدّمات أكيدة، فسينتهي حتماً إلى الشك. ولكنه إذا كان مصمّماً بأن ينطلق من مقدّمات شكية فإنه سيتوصّ...
-
محمد بن من هو? (1) المضيف: من يُقلِّب كتب التراث يكتشف العجب. فهل وجدت شيئا في أبحاثك يفيد المشاهد؟ الرد: وجدت موضوعا غريبا جدا، لم أسمع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق