الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

مذهب الدوسيتية الغنوصي وعلاقته باعتقاد الاسلام بعدم صلب المسيح


" وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم " ومذهب الدوسيتية Docetism الغنوصى
مقدمة لابد منها :
احب ان انوه من البداية ان دراستى لا تدخل فى الصراع المسيحى الاسلامى حول قضية صلب المسيح ,
لقد مات المسح وصلب
.. هكذا يقول المسيحى
لم يقتل المسيح ولم يصلب وانما شبه لهم
.. هكذا يقول المسلم

وانما هدفى البحث عن اصل الاعتقاد الاسلامى وموقفه الرافض لصلب المسيح
وهل الاسلام هو الوحيد الذى قال بذلك ؟
واذا قال بذلك من سبق الاسلام بمئات السنين , فاليس من العقل والمنطق ان نزعم ان هذه الفكرة الاسلامية مقتبسة ومنقحة ومن صناعة بشرية ؟
أم سيتجاهل اخواننا المسلمين العقل والمنطق والتاريخ والمراجع التى دون فيها ذلك من قبل ظهور الاسلام ويظلوا يتمسكون باعتقادهم ان الله اوحى لمحمد هذه العقيدة ؟

آمن المسيحيون أن يسوع المسيح لم يكن مجرد إنسان فقط ، وانما هو الإله المتجسد الذي من فرط حبه للبشر أراد أن يخلصهم من الخطيئة " لانه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد " فقرر أن يتجسد وان يصير إنسانا يشاركهم فى بشريتهم حتى يستطيع أن يتمم خلاصهم وفداءهم عن طريق الموت بدلا منهم ، وبموته يمنحهم الحياة.لكن هذه المنحة العظيمة لن ينتفع بها سوى من يؤمن بذلك ، وأن يؤمن أن المسيح هو الله المتجسد الذي جاء الى أرضنا فى اتضاع ومات فداءا لنا وبدلا عنا. وان يؤمن انه مات على الصليب ، حيث تجرع العذاب والآلام التى لم يقوى جسده على احتمالها.
ومنذ القرن الاول الميلادى كان هناك الاعتقاد بان بدون صلب المسيح وقيامته من الموت فلا معنى للمسيحية وباطلة محاولات تلاميذه ورسله فى التبشير بين الامم والشعوب , وهذا ما أكد عليه كاتب الرسالة الى كورنثوس – سواء كان كاتبها بولس او غيره - فيقول فى رسالة كورنثوس الاولى 15
12 و لكن ان كان المسيح يكرز به انه قام من الاموات فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات
13 فان لم تكن قيامة اموات فلا يكون المسيح قد قام
14 و ان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا و باطل ايضا ايمانكم
15 و نوجد نحن ايضا شهود زور لله لاننا شهدنا من جهة الله انه اقام المسيح و هو لم يقمه ان كان الموتى لا يقومون
16 لانه ان كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام
17 و ان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم انتم بعد في خطاياكم

فمن الواضح أن العلاقة بين ألوهية المسيح وموته الكفارى على الصليب ، علاقة لا يمكن الفصل بينها فى العقيدة المسيحية. لذلك فمنذ القرن الأول المسيحى ، اعتبرت الكنيسة كل من يخالف هذه العقيدة من المارقين والضالين وأطلقت عليهم اسم الهراطقة ، الذين يعادون المسيحية ، بل يعادون الله نفسه ، ووصفتهم بأعداء المسيح Anti-Christs.

ومن بين الذين آمنوا بالمسيحية مفكرين أحبوها ووجدوا فيها ضالتهم ، لكن لم يقدروا على التوفيق بين عقائدها وبين العقل أو الفلسفة اليونانية. ومنهم من كان متأثرا بالفلسفات والأديان الغنوصية التى كانت منتشرة فى كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية فى منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا.فقاموا بمحاولات توفيقية لصياغة العقائد المسيحية صياغة تتفق وأفكار تلك الفلسفات والأديان.
فمنهم من أنكر لاهوت (ألوهية) المسيح ، أى قال أن المسيح ليس إلا إنسان عظيم او انه ومن اعظم الأنبياء ، ومنهم من أنكر ناسوته (إنسانيته) ، ومنهم من فصل بين المسيح الإله وبين المسيح الإنسان كشخصين مختلفين ، ومنهم من قال إن ابن الله حلَّ بروحه على الإنسان يسوع وتخلى عنه عند الصلب ، ومنهم من رفض فكرة الله الواحد ذو الشخوص المتعددة (الاقانيم) – عقيدة التثليث، ومنهم من أنكر لاهوت الروح القدس … الخ. وأمام هذه الموجات التى لا تنتهي من الأفكار والتفسيرات ، اعتبرت الكنيسة – خاصة بعد مجمع نيقية سنة 325 - كل أصحاب تلك الأفكار من الخارجين عليها ، واعتبرت أفكارهم من البدع والهرطقات والتجديف والكفر.
وفى اواخر القرن السادس ظهر الاسلام وكتب الخلود لبعض افكار هؤلاء المفكريين والصوفيين – الهراطقة والكفار من وجهة نظر الكنيسة الرسمية – خاصة القول بان المسيح لم يقتل ولم يصلب وانما شبه للناس ذلك .
ويرى المسلمون ان هذا القول هو قول رب العالمين الذى اوحاه الى عبده ورسوله سيد الخلق اجمعين والذى لا ينطق عن الهوى الا وحى يوحى .
ولهم ان يقولوا ما يريدوا ان يقولوا , لكن هناك فرق بين المزاعم الدينية وبين ما يمكن التحقق منه بالتاريخ والاثار الفكرية التى لا يمكن الشك فى اصولها
ومن خلال هذا البحث نحاول ان نبرهن ان هذه الفكرة الاسلامية لم تأت من عالم آخر او من وحى الهى مزعوم , وانما ما قاله الاسلام ما هو الا تكرار واقتباس بعد تنقيح لعقيدة كثير من الحركات الدينية التى انشقت عن المسيحية وخاصة فرقة الدوسيتية Docetism .
فلقد قالت هذه الفرقة ان المسيح لم يصلب فعليا وانما كان يبدو لمن ينظر اليه حينئذ انه كان يصلب , تماما كما جاء الاسلام وزعم ان الله اوحى هذه الفكرة الموجودة بسورة النساء 157
وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله
وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم
وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن
وما قتلوه يقينا

لكن الباحث المطلع على تاريخ وفكر هذه الفرقة لا يرى فى هذه الايات القرآنية الا اعادة صياغة لفكرة سبقت الاسلام بمئات السنين , وليس فى الامر وحى ولا علم للغيب , وانما اقتباس وتغليب لوجهة نظر على وجهات نظر اخرى وعملية انتقائية تتفق ومبادئ وعقائد الديانة الاخيرة .

ومعظم هذه الأفكار تندرج تحت حركات دينية كبيرة ترجع إلي ما قبل المسيحية يطلق عليها الغنوصية Gnosticism .
وحتى نفهم أفكار هؤلاء الذين أطلقت عليهم الكنيسة اسم الهراطقة heretics ،وعلاقة أفكارهم بالفكر الديني الشرقى (اليهودية والمسيحية والإسلام)، يجب الإلمام بالغنوصية.ولتحقيق ذلك رأيت أن أترجم للقارئ المقال الجيد عن الغنوصية Gnosticism الذي جاء بالموسوعة الإلكترونية Microsoft Encarta Encyclopedia 2000
واطلب من قارئى التحلى بالصبر فى الاطلاع على ما اوردته من افكار من مراجع متعددة قد تبدو بعيدة عن موضوع البحث , لكن فى النهاية سيتأكد القارئ انى لم اخرج عن الموضوع

واليك ترجمتى لهذا المقال ثم يعقبها النص الاصلى بلغته الانجليزية
--------
الغنوصية
"1-مقدمة
الغنوصية حركة دينية باطنية(سرية) انتشرت فى القرنين الثاني والثالث الميلادي وكانت تمثل خطرا كبيرا على المسيحية التقليدية.ومعظم الفرق الغنوصية أقرت الأيمان بالمسيحية ، لكن انحرفت معتقداتهم بشدة عن تيار المعتقدات الكنسية السائدة لغالبية المسيحيين فى تاريخ الكنيسة المبكر.إن كلمة غنوصية مشتق من الكلمة اليونانية gnosis وتعنى "المعرفة الموحى بها" .ومن وجهة نظر معتنقيها فان الغنوصية تهب المؤمنين بها معرفة خفية لعالم الألوهية.فان ومضات إلهية قد سقطت من هذا العالم الذي لا يدركه عقل إلي عالمنا المادي الغارق فى الشر وهذه الومضات الإلهية أصبحت سجينة الأجساد البشرية. وعندما يستيقظ العنصر الإلهي الكامن فى الإنسان ، بواسطة المعرفة ، فان هذا العنصر الإلهي يمكنه أن يرجع إلي موطنه اللائق به فى المملكة الروحية التى لا يدركها عقل.

2-منابع الغنوسية

إن النصوص الغنوصية لا تكشف لنا شيئا عن تاريخ فرقها المتعددة ولا عن تاريخ حياة معلميها البارزين.وبالتالي فان تاريخ هذه الحركة يمكن الاستدلال عليه من التراث المكتوب ومن الكتابات التى كانت موجهه ضد الغنوصية.والسؤال :هل نشأت الغنوصية كمذهب منفصل لا علاقة له بالمسيحية؟هذا السؤال لم يجد إجابة قاطعة حتى الآن ، لكن من المؤكد أن الفرق الغنوصية الوثنية كان لها وجود قبل ذلك. من المحتمل أن الأساطير الغنوصية قد نشأت عن التأملات اليهودية الطائفية التى كان مركزها سوريا وفلسطين فى أواخر القرن الأول الميلادى ، تلك التأملات التى بدورها كانت متأثرة بالأديان الثنوية الفارسية خاصة الزردشتية. وفى القرن الثاني قام المعلمون المسيحيون الغنوصيون بالتأليف بين هذه الأساطير وبين التأملات الأفلاطونية الميتافيزيقية وبين بعض البدع المسيحية.ويعد (فالينتينوسValentinus) وتلميذه (بتوليمايوس Ptolemaeus )من أبرز الغنوصيين المسيحيين الذين كان لهما كبير الأثر على الكنيسة الرومانية فى القرن الثاني. وبينما كان ينخرط الغنوصيون المسيحيون فى الجماعة المسيحية الكبيرة ، كانوا يجتمعون فى جماعات صغيرة لممارسة تعاليمهم وطقوسهم السرية.

فى أثناء القرن الثاني ظهر تيار آخر للغنوصية فى شرق سوريا أكد على تفسير تعاليم المسيح على أساس من الزهد. وفى أواخر هذا القرن ظهرت الغنوصية فى مصر واعقبها ظهور الرهبانية التى يمكن إرجاعها لتأثير الفرق السريانية الزاهدة.

3-أساطير الغنوصية

صاغ الغنوصيون أساطير مركبة لكي يقدموا تفسيرا لاصل العالم المادي. فمن الإله البدئى(الأزلي) الذي لا يمكن إدراكه ولدت مجموعة من الآلهة الصغيرة عن طريق انبثاقها منه . وإحدى تلك الآلهة وكان اسمها (صوفيا Sophia )استبدت بها الرغبة (حبلت بهذه الرغبة) فى معرفة الكائن الأعظم (Supreme Being) الذي لا يمكن إدراكه ، وكان نتيجة تلك الرغبة الغير مشروعة أن ولد اله شرير مشوه ، وهو الذي خلق هذا العالم المادي.أما عن الومضات الإلهية التى استقرت فى الإنسان فإنها سقطت إلى هذا العالم أو أن الإله الأعظم أرسلها حتى يخلص الإنسانية.
وقال الغنوصيون ان الإله الشرير هو نفسه إله العهد القديم ، وان العهد القديم ما هو إلا سجل لمحاولات ذلك الإله فى الحفاظ على الإنسانية غارقة فى الجهل وفى العالم المادي ، وعقابه لمحاولات الإنسان فى الحصول على المعرفة.
وفهم الغنوصيون طرد آدم وحواء من الفردوس وحادثة الطوفان ودمار مدينتي سدوم وعمورة على هذا الأساس.

4-الغنوصية والمسيحية

بالرغم من أن الغنوصيون اعتبروا أنفسهم من المسيحيين إلا أن بعض فرقهم لم تأخذ من المسيحية إلا القليل كما هو واضح فى نصوصهم الغنوصية. ورفض الغنوصيون المسيحيون الإيمان بان اله العهد الجديد ، أبو يسوع ، هو نفسه اله العهد القديم ، كما انهم قاموا بتفسير غير تقليدي (يخالف تفسير الكنيسة التقليدية) لرسالة المسيح وخدمته.
ولقد كتب الغنوصيون أناجيل أبوكريفية(مشكوك فى صحتها) مثل إنجيل توما وانجيل مريم ليقيموا الدليل على ما زعموه من أن يسوع المُقام أخبر تلاميذه عن التفسير الغنوصى الحقيقي لتعاليمه ، وهذا التفسير يتلخص فى أن المسيح ، الروح الإلهي ، سكن فى جسد الإنسان يسوع ، وانه لم يمت على الصليب وانما صعد إلى المملكة السماوية(العالم الإلهي) التى جاء منها.وهكذا أنكر الغنوصيون الموت الكفارى والآلام الكفارية للمسيح وقيامة الجسد. كما أنكروا تفسيرات تقليدية وحرفية أخرى للأناجيل.

5-الطقوس

أنكرت بعض الفرق الغنوصية جميع الأسرار المقدسة المسيحية ،بينما أقرت فرق أخرى سر المعمودية والقربان المقدس وفسروهما كرمز لإيقاظ الغنوص(المعرفة الإلهية).وكانت تهدف بعض الطقوس الغنوصية الأخرى إلى تيسير ارتقاء وصعود العنصر الإلهي للنفس البشرية إلى المملكة الروحية.وكانوا يتلوا الترانيم والطلاسم السحرية لتساعدهم فى تحقيق رؤية الله .كما كانوا يتلوا طلاسم أخرى عند الموت لكي يحبطوا محاولات الشياطين الذين يريدوا أسر الروح الصاعدة ليسجنوها من جديد فى الجسد.ومن الطقوس الخاصة عند فرقة فاليتينوس ما يعرف بطقس (غرفة العُرس) حيث كانوا يحتفلون بعودة اتحاد الروح المفقودة بقرينها السماوي.

6-أخلاق الغنوصية

وتأرجحت التعاليم الأخلاقية للغنوصيين بين الزهد والتقشف من ناحية و المجون والفسق من ناحية أخرى.وتعليمهم القائل أن الجسد والعالم المادي شر أدى ببعض فرقهم إلى إنكار الزواج والإنجاب ، بينما قال غنوصيون آخرون انه طالما أن نفوسهم غريبة تماما عن هذا العالم فان ما يفعلونه فى هذا العالم ليس له أي أهمية(أى أباحوا لانفسهم أن يفعلوا أى شىء).
وبصورة عامة فان الغنوصيين رفضوا وصايا العهد القديم الأخلاقية باعتبارها جزء من محاولات اله العهد القديم الشرير فى تضليل البشرية


7 -المصادر

كثير من معرفتنا الدقيقة للغنوصية يأتي من نصوص مسيحية معادية للغنوصية ترجع إلى القرنين الثاني والثالث.هذه النصوص تزودنا بالاقتباسات الكثيرة الوحيدة للنصوص الغنوصية الأصلية التى كتبت باليونانية.ومعظم النصوص الغنوصية المتبقية كتبت بالقبطية كترجمات عندما انتشرت الغنوصية فى مصر فى أواخر القرن الثانى وفى القرن الثالث.فى عام 1945 عثر فلاح مصرى بجوار مدينة نجع حمادى على اثني عشر مخطوطة تحتوى على اكثر من خمسين نص غنوصى قبطى.ولقد اتفق الرأي على أن تلك المخطوطات قد نسخت فى القرن الرابع فى أديرة المنطقة.ولا يستطيع أحد أن يجزم إن كان رهبان تلك الأديرة من الغنوصيين ، أو أن طبيعة تلك الكتابات التقشفية والزهدية كانت تستهويهم ، أو انهم قاموا بتجميع تلك الكتابات كدراسة فى الهرطقات.

8-التاريخ المتأخر للغنوصية

فى نهاية القرن الثالث بدأت تنكسر شوكة الغنوصية أمام معارضة واضطهاد الكنيسة التقليدية.وكرد فعل للهرطقة الغنوصية دعمت الكنيسة من تنظيماتها فوضعت سلطتها المركزية فى منصب الأسقف ، وهكذا بذلت قصارى جهدها فى قمع حركة الغنوصية التى افتقرت للتنظيم.علاوة على ذلك ، أمام تطور اللاهوت والفلسفة المسيحية ظهرت التعاليم الغنوصية الأسطورية الأولى بمظهر ساذج بسيط.وقام كل من اللاهوتيين المسيحيين وأفلوطين (Plotinus )-فيلسوف الأفلاطونية المحدثة فى القرن الثالث-بالهجوم على رأى الغنوصية القائم على أن العالم شر فى جوهره .كما أن المسيحيين دافعوا عن مطابقتهم لإله العهد الجديد باله اليهودية ، ودافعوا عن إيمانهم أن العهد الجديد هو المعرفة الحقيقية الوحيدة الموحى بها.وتطور كل من حركتي التصوف والنسك المسيحى أشبع بعض الدوافع التى كانت تؤدى إلى اعتناق الفكر الغنوصى ، لذلك تحول كثير من الغنوصيين إلى الإيمان الكنسي التقليدى.وفى نهاية القرن الثالث يبدو ان الغنوصية كحركة مستقلة بدأت فى الاختفاء لدرجة كبيرة.

9-بقاء الغنوصية

مازالت إحدى الفرق الغنوصية غير المسيحية ، فرقة المانديين Mandaeans ، باقية إلى الآن فى العراق وإيران ، لكن ليس من المؤكد أن هذه الفرقة بدأت كامتداد للغنوصية الأصلية.
وبالرغم من أن الفرق الغنوصية القديمة لم يكتب لها البقاء ، إلا أن عناصر من نظرة الغنوصية للعالم كانت تعاود الظهور من آن لآخر فى أشكال متعددة ، فإنها ظهرت فى المانوية Manichaeism -تلك الديانة الثنوية القديمة ، وفى هرطقات مفكرى العصور الوسطى مثل (البيسينجيس Albigenses ) و (بوجوميلسBogomils ) و(بوليشيانزPaulicians ) ، وظهرت فى الفلسفة الصوفية اليهودية فى العصور الوسطى المعروفة بال (قاباله Kabbalah )، وفى التأملات الميتافيزيقية فى عصر النهضة المعروفة بعلم (الخيمياء Alchemy ) ، وظهرت فى القرن التاسع عشر فى حركة الثيوصـوفيّة (معرفة عن طريق «الكشف» الصوفي أو التأمّل الفلسفيّ) ، وظهرت فى القرن العشرين فى فلسفة الوجودية Existentialism والفلسفة العدمية Nihilism وفى كتابات عالم النفس السويسري (كارل يونج Carl Yung ). إن الغنوصية أثبتت متانة وديمومة جوهرها فى فكرتها أن الروح الداخلية القابعة فى الإنسان يجب أن تتحرر من العالم المادي الذي هو أصل الخداع والظلم والشر."

Gnosticism

I INTRODUCTION

Gnosticism, esoteric religious movement that flourished during the 2nd and 3rd centuries AD and presented a major challenge to orthodox Christianity. Most Gnostic sects professed Christianity, but their beliefs sharply diverged from those of the majority of Christians in the early Church. The term Gnosticism is derived from the Greek word gnosis (“revealed knowledge”). To its adherents, Gnosticism promised a secret knowledge of the divine realm. Sparks or seeds of the Divine Being fell from this transcendent realm into the material universe, which is wholly evil, and were imprisoned in human bodies. Reawakened by knowledge, the divine element in humanity can return to its proper home in the transcendent spiritual realm.

II ORIGINS
Gnostic texts reveal nothing about the history of the various sects or about the lives of their most prominent teachers. Consequently, the history of the movement must be inferred from the traditions reflected in the texts and from anti-Gnostic writings. The question of whether Gnosticism first developed as a distinct non-Christian doctrine has not been resolved, but pagan Gnostic sects did exist. Gnostic mythology may have been derived from Jewish sectarian speculation centred in Syria and Palestine during the late 1st century AD, which in turn was probably influenced by Persian dualistic religions, especially Zoroastrianism. By the 2nd century, Christian Gnostic teachers had synthesized this mythology with Platonic metaphysical speculation and with certain heretical Christian traditions. The most prominent Christian Gnostics were Valentinus and his disciple Ptolemaeus, who during the 2nd century were influential in the Roman Church. Christian Gnostics, while continuing to participate in the larger Christian community, apparently also gathered in small groups to follow their secret teachings and rituals.

During the 2nd century another strain of Gnosticism emerged in eastern Syria, stressing an ascetic interpretation of Jesus's teachings. Later in the century Gnosticism appeared in Egypt, and the emergence of monasticism there may be linked with the influence of the Syrian ascetic sects.

III MYTHOLOGY
To explain the origin of the material universe, the Gnostics developed a complicated mythology. From the original unknowable God, a series of lesser divinities was generated by emanation. The last of these, Sophia (“wisdom”), conceived a desire to know the unknowable Supreme Being. Out of this illegitimate desire was produced a deformed, evil god, or demiurge, who created the universe. The divine sparks that dwell in humanity fell into this universe or else were sent there by the supreme God in order to redeem humanity. The Gnostics identified the evil god with the God of the Old Testament, which they interpreted as an account of this god's efforts to keep humanity immersed in ignorance and the material world and to punish their attempts to acquire knowledge. It was in this light that they understood the expulsion of Adam and Eve from Paradise, the flood, and the destruction of Sodom and Gomorrah.

IV GNOSTICISM AND CHRISTIANITY
Although most Gnostics considered themselves Christians, some sects assimilated only minor Christian elements into a body of non-Christian Gnostic texts. The Christian Gnostics refused to identify the God of the New Testament, the father of Jesus, with the God of the Old Testament, and they developed an unorthodox interpretation of Jesus's ministry. The Gnostics wrote apocryphal Gospels (such as the Gospel of Thomas and the Gospel of Mary) to substantiate their claim that the risen Jesus told his disciples the true, Gnostic interpretation of his teachings: Christ, the divine spirit, inhabited the body of the man Jesus and did not die on the cross but ascended to the divine realm from which he had come. The Gnostics thus rejected the atoning suffering and death of Christ and the Resurrection of the body. They also rejected other literal and traditional interpretations of the Gospels.

V RITES
Some Gnostic sects rejected all sacraments; others observed baptism and the Eucharist, interpreting them as signs of the awakening of gnosis. Other Gnostic rites were intended to facilitate the ascent of the divine element of the human soul to the spiritual realm. Hymns and magic formulae were recited to help achieve a vision of God; other formulas were recited at death to ward off the demons who might capture the ascending spirit and imprison it again in a body. In the Valentinian sect a special rite, called the bridal chamber, celebrated the reunion of the lost spirit with its heavenly counterpart.

VI ETHICS The ethical teachings of the Gnostics ranged from asceticism to libertinism. The doctrine that the body and the material world are evil led some sects to renounce even marriage and procreation. Other Gnostics held that because their souls were completely alien to this world, it did not matter what they did in it. Gnostics generally rejected the moral commandments of the Old Testament, regarding them as part of the evil god's effort to entrap humanity.

VII SOURCES Much scholarly knowledge of Gnosticism comes from anti-Gnostic Christian texts of the 2nd and 3rd centuries, which provide the only extensive quotations in the Greek of the original Gnostic texts. Most surviving Gnostic texts are in Coptic, into which they had been translated when Gnosticism spread to Egypt in the late 2nd and the 3rd centuries. In 1945 an Egyptian peasant found 12 codices containing more than 50 Coptic Gnostic writings near Naj Hammadi. It has been determined that these codices were copied in the 4th century in the monasteries of the region. It is not known whether the monks were Gnostics, or were attracted by the ascetic nature of the writings, or had assembled the writings as a study in heresy.

VIII LATER HISTORY By the 3rd century Gnosticism began to succumb to orthodox Christian opposition and persecution. Partly in reaction to the Gnostic heresy, the Church strengthened its organization by centralizing authority in the office of bishop, which made its effort to suppress the poorly organized Gnostics more effective. Furthermore, as orthodox Christian theology and philosophy developed, the primarily mythological Gnostic teachings began to seem bizarre and crude. Both Christian theologians and the 3rd-century Neoplatonist philosopher Plotinus attacked the Gnostic view that the material world is essentially evil. Christians defended their identification of the God of the New Testament with the God of Judaism and their belief that the New Testament is the only true revealed knowledge. The development of Christian mysticism and asceticism satisfied some of the impulses that had produced Gnosticism, and many Gnostics were converted to orthodox beliefs. By the end of the 3rd century Gnosticism as a distinct movement seems to have largely disappeared.

IX SURVIVALS One small non-Christian Gnostic sect, the Mandaeans, still exists in Iraq and Iran, although it is not certain that it began as part of the original Gnostic movement. Although the ancient sects did not survive, aspects of the Gnostic world view have periodically reappeared in many forms: the ancient dualistic religion called Manichaeism and the related medieval heresies of the Albigenses, Bogomils, and Paulicians; the medieval Jewish mystical philosophy known as Kabbalah; the metaphysical speculation surrounding the alchemy of the Renaissance; 19th-century theosophy; 20th-century existentialism and nihilism; and the writings of the 20th-century Swiss psychologist Carl Jung. The essence of Gnosticism has proved very durable: the view that the inner spirit of humanity must be liberated from a world that is basically deceptive, oppressive, and evil.


وجاء عن الغنوصية فى (الموسوعة الفلسفية) للدكتور عبد المنعم الحفنى:
ص 296-298 دار ابن زيدون-مكتبة مدبولى طبعة أولى 1986
---------
"فلسفة صوفية ، واسم علم على المذاهب الباطنية ، غايتها معرفة الله بالحدس لا بالعقل ، وبالوجد لا بالاستدلال."
"وعرفت اليهودية الغنوصية ، وتجلت فيما عرف عند اليهود باسم (القبالة) ، وكانت القبالة اكبر غنوص عرفه تاريخ الأديان ، حيث كانت تنتشر بسرعة من فلسطين الىالإسكندرية ، وأختلطت بالفلسفة اليونانية عن طريق فيلون اليهودي الذي مهد لظهور
المسيحية ، وكان له أكبر الأثر فى يوحنا الإنجيلي.وكان المسيح نفسه ، وما أحيطت به قصته كما روتها الأناجيل ، غنوصيا ، واقتصر الغنوص فيها على المسيحية وحده ، فالاتحاد المعرفي والمادى كان بيد الله والمسيح وحده"
"وعرف العرب الغنوصية ، وتزندق منهم كثيرون وقالوا بالثنوية ، وكانت قبيلة كندة كلها من الزنادقة .ولعل أبا سفيان بن حرب هو اعتي الزنادقة العرب ، وكانت زندقته سر عدائه الشديد للإسلام. . . ويذكر ابن النديم من الغنوصيين : الجعد بن درهم وابن طالوت ..وصالح بن عبد القدوس ..وبشار بن برد… وأبى العتاهية، وكلهم من المتكلمين أو الشعراء أو الحكام ،ونفذت الغنوصية إلى غلاة الشيعة ، وكانت أساس الشيعة الامامية والإسماعيلية ، وكان ابن المقفع مزدكيا . . . ومع أن أبا مسلم الخرساني حارب الدعوات الغنوصية إلا أن هذه الدعوات استخدمت اسمه وادعت ان الإله حل فيه . . .ونفذ الغنوص إلى فكر كثير من المفكرين الإسلاميين كالغزالى الذي قيل فيه انه باع الفقه بالتصوف . . . وكان الحلاج والسهروردى وعين القضاة الهمذانى وابن سبعين والتشترى ومحي الدين بن عربى من ضحايا الغنوص ، حتى ادعى ابن عربى والشلمغانى حلول روح الله فيهما"
--------

واهم النقاط التى تهمنا فى الغنوصية الآتي:-

1-الغنوصية تعنى المعرفة الإلهية ، وهى تطلق على أي مذهب باطني أو سرى ، ويعتمد منهجها على الوجدان والحدس وليس على العقل أو الاستدلال.

2-آمن الغنوصيون المسيحيون بوجود إلهين:إله الخير (إله العهد الجديد) وإله شرير(إله العهد القديم)

3- آمن الغنوصيون أن يسوع مجرد إنسان تقي أختاره ابن الله(المسيح) وتجسد فيه أو حلَّ به .ولان المسيح فى جوهره روح ، والروح منزه عن العالم المادي ، لذلك قالوا أن المسيح لم يصلب ولم يتعذب .

وبعد أن أخذنا صورة عامة عن الغنوصية ، آن الوقت لتركيز دراستنا حول النقطة المركزية التى من اجلها كتبت هذا البحث ، وهى أصل الاعتقاد الإسلامي بان المسيح لم يقتل ولم يصلب وانما شبه لهم ذلك حيث علم محمد اتباعه:

{وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله

وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم

وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن

وما قتلوه يقينا} النساء 157

ومن المعروف تاريخيا أن الفكر الغنوصى كان منتشرا –منذ القرن الثانى الميلادى- فى كافة الأنحاء بما فيها ارض العرب .تلك الأرض التى نشأ فيها نبى الإسلام وتأثر بما كان فيها من عقائد ومذاهب دينية متباينة.فاخذ منها ما يتناسب ودعوته .

هنا نجد محمد يؤكد أن المسيح لم يقتل ولم يصلب ، وانهم { ما قتلوه يقينا} ، وهذا صدى لما قال به الغنوصيون المسيحيون بوجه عام منذ القرن الثانى الميلادى.وإن شئنا الدقة ، فهذا ما قالته فرقة الدوسيتية Docetism لفظا ومعنى.
فوجد محمد فى فكر هذه الفرقة المسيحية ما يتفق ودعوته للتوحيد ، فقال بما قالت هذه الفرقة واعتبر كل ما خالف ذلك من الضلال والزيغان عن الحق.
فماذا قالت الدوسيتية التى تبنى محمد رأيها فى قضية موت وصلب المسيح؟
وكل ما يمكن أن أقدمه لاثبات ذلك هو تقديم حقائق تاريخية ثابتة مصدرها مراجع علمية تنقل وتلخص ما جاء بالوثائق والمخطوطات القديمة التى اكتشفها الباحثون وحققوها.
ولنسمع ما قالوه عن الدوسيتية.

فى دائرة المعارف البريطانية 2001 وتحت مادة : الدوسيتية Docetism
ترجمة لمقتطفات تخص بحثنا , ثم النص الانجليزى كاملا
الدوسيتية : هرطقة ( بدعة ) مسيحية وهى من احدى المذاهب المسيحية المبكرة ,
تزعم ان المسيح لم يكن له جسد حقيقى او طبيعى اثناء حياته على الارض وانما كان له جسدا وهميا ( ظاهريا )...
واعتقد الدوسيتيون ان كل اعمال المسيح وآلام حياته بما فيها الصلب كانت مجرد تهيؤات

(from Greek dokein, "to seem"), Christian heresy and one of the earliest Christian sectarian doctrines, affirming that Christ did not have a real or natural body during his life on earth but only an apparent or phantom one. Though its incipient forms are alluded to in the New Testament, such as in the Letters of John (e.g., 1 John 4:1-3; 2 John 7), Docetism became more fully developed as an important doctrinal position of Gnosticism, a religious dualist system of belief arising in the 2nd century AD which held that matter was evil and the spirit good and claimed that salvation was attained only through esoteric knowledge, or gnosis. The heresy developed from speculations about the imperfection or essential impurity of matter. More thoroughgoing Docetists asserted that Christ was born without any participation of matter and that all the acts and sufferings of his life, including the Crucifixion, were mere appearances. They consequently denied Christ's Resurrection and Ascension into heaven. Milder Docetists attributed to Christ an ethereal and heavenly body but disagreed on the degree to which it shared the real actions and sufferings of Christ. Docetism was attacked by all opponents of Gnosticism, especially by Bishop Ignatius of Antioch in the 2nd century. __

وجاء فى قاموس الميراث الأمريكي American Heritage Dictionaryعن هذا المذهب:

Do·ce·tism n. An opinion especially associated with the Gnostics that Jesus had no human body and only appeared to have died on the cross. [Probably from Late Greek Doktai, espousers of Docetism, from Greek dokein, to seem. See dek- below.] --Do·ce“tist n.

الترجمة:

الدوسيتية

رأى ارتبط على وجه الخصوص بالغنوصيين ، أن يسوع لم يكن له جسم بشرى وانه كان يبدو-فى الظاهر- انه مات على الصليب.وأصل هذه الكلمة يحتمل انه من الكلمة اليونانية المتأخرة Doktai وتعنى:الدوسيتيين(المؤيدين للدوسيتية) ، وهى مشتقة من الكلمة اليونانية dokein وتعنى:يظهر أو يبدو

وجاء فى موسوعة انكارتا الإلكترونية Microsoft® Encarta® Encyclopedia 2000 :

ترجمتى للمقال:
الدوسيتية
هى إحدى الهرطقات (البدع) المسيحية المبكرة التى أكدت على أن يسوع المسيح كان له جسد (ناسوت) ظاهر فقط

(أي لا وجود مادى فيزيقى حقيقي له). وهذه العقيدة تعددت صورها. فإحداها أنكرت بشرية المسيح ، وغيرها وافقت على تجسده ، لكن أنكرت آلامه وقالت انه اقنع أحد اتباعه-يهوذا الاسخريوطى أو سمعان القيروانى-بان يصلب بدلا منه على الصليب.وأخرى نسبت للمسيح ناسوت سماوي منزه عن التعرض للمعاناة البشرية.

إن إنكار حقيقة المسيح الناسوتية (الجسدية) نبع من الثنوية ،وهى العقيدة الفلسفية التى كانت تنظر للمادة باعتبارها شر. وباعتناق الدوسيتيين لهذه الفكرة ، انتهوا إلى أن الله لا يمكن أن يرتبط بالمادة بأي صورة من الصور. ولم يقبلوا التفسير الحرفي لما جاء فى إنجيل يوحنا 1:14 " والكلمة صار جسدا"

وبالرغم من أن العهد الجديد قد أشار إلى فرقة الدوسيتية، فان عقائدها لم تتبلور وتكتمل حتى القرنين الثانى والثالث. ولقد واجهت معارضة قوية من الكتاب المسيحيين الأوائل بدءا من اغناطيوس الانطاكى وايرانيوس فى القرن الثانى. ولقد أُدينت الدوسيتية رسميا فى مجمع خلقدونية سنة 451 "

النص الاصلى

Docetism,

an early Christian heresy affirming that Jesus Christ had only an apparent body. The doctrine took various forms: Some proponents flatly denied any true humanity in Christ; some admitted his incarnation but not his sufferings, suggesting that he persuaded one of his followers—possibly Judas Iscariot or Simon of Cyrene—to take his place on the cross; others ascribed to him a celestial body that was incapable of experiencing human miseries.

This denial of the human reality of Christ stemmed from dualism, a philosophical doctrine that viewed matter as evil. The docetists, acknowledging that doctrine, concluded that God could not be associated with matter. They could not accept a literal interpretation of John 1:14 that the “Word became flesh”.

Although Docetism is alluded to in the New Testament, it was not fully developed until the 2nd and 3rd centuries, when it found an ally in Gnosticism. It occasioned vigorous opposition by early Christian writers, beginning with Ignatius of Antioch and Irenaeus early in the 2nd century. Docetism was officially condemned at the Council of Chalcedon in 451”

وجاء فى (موسوعة الألف الأولى من المسيحية) الإلكترونية

(Encyclopedia of the First Millennium of Christianity)

ترجمتى:
الدوسيتية
هي إحدى الهرطقات التى تدور حول شخصية يسوع المسيح.والكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية dokeo وتعنى (يبدو) او (يظهر) .وبحسب فرقة الدوسيتية فان ابن الله الأبدي لم يصير إنسانا بالفعل كما انه لم يتألم على الصليب ، كل ما هنالك هو انه كان يظهر انه يفعل ذلك.

نشأت هذه الهرطقة فى بيئة هيلينية (يونانية) مؤسسة على عقيدة ثنوية ترى أن العالم المادى إما عالم غير حقيقي أو انه شرير فى جوهره.وكانت توجد نزعات اعتبرت المسيح روحا صرفا بإنكارها لناسوته(جسدانيته) ، هذه النزعات ترجع لزمن العهد الجديد.فان رسائل يوحنا عالجت هذه المشكلة عدة مرات(1 يوحنا 4 :2-3 ، 2 يوحنا 1 : 7).وقد ساهم فى انتشار التعاليم الدوسيتية المؤيدين للغنوصية فى القرن الثانى ، لكن آباء الكنيسة فى القرن الثانى ، خاصة ، أغناطيوس الانطيقىIgnatius of Antioch وايرانيوسIrenaeus ، قاموا بمحاربتهم .
وكان دفاع الآباء عن التجسد الحقيقي لابن الله يستند على تعاليم العهد الجديد فى عقيدة الخلق التى بموجبها العالم المادى ليس وهما ولا هو شرا وانما خير فى جوهره."

النص الاصلى:


Docetism

Docetism is a heresy concerning the person of Jesus Christ. The word is derived from the Greek dokeo, meaning "to seem" or "to appear." According to Docetism, the eternal Son of God did not really become human or suffer on the cross; he only appeared to do so. The heresy arose in a Hellenistic milieu and was based on a Dualism which held that the material world is either unreal or positively evil. Tendencies to spiritualize Christ by denying his real humanity were already present in New Testament times. The Johannine Epistles addressed the problem several times (1 John 4:2-3; 2 John 7). Docetic teachings were also advanced by the 2d-century proponents of Gnosticism and were combatted by the 2d-century church fathers, especially by Ignatius of Antioch and Irenaeus. The fathers based their defense of the true Incarnation of the Son of God on the Old Testament doctrine of creation, according to which the material world is neither unreal nor evil but basically good.


وجاء فى موسوعة انكارتا تحت مقالChristology (علم المسيحيات)

من زمن اغناطيوس الانطاقى Ignatius of Antioch فى القرن الثانى وحتى زمن مجمع خلقدونية عام 451 والمفكرين المسيحيين فى صراع مع القضايا المنطقية التى قدمت للعقلية اليونانية عن طريق التفكير المسيحي فى العهد الجديد:
لو أن (الابن) هو نفسه (الله) وفى نفس الوقت هو شخص غير (الأب )، فكيف يكون الله واحد؟
لو أن المسيح كائن إلهي ، فكيف يكون أيضا كائن بشرى؟
ولقد قال معتنقي المذهب الدوسيتى فى القرن الثانى(كلمة dokein اليونانية تعنى :يبدو او يظهر) أن بشرية المسيح كانت ظاهرية وليست حقيقية لانه فى الفكر اليوناني الألوهية غير قابلة للتغير أو الألم.ونتيجة لذلك أضاف (المسيحيون)لقانون الإيمان هذه الكلمات :"ومن مريم العذراء ولد" ليؤكدوا على بشرية يسوع"

From Ignatius of Antioch, in the 2nd century, through to the Council of Chalcedon in 451, Christian thinkers wrestled with the logical problems presented to the Greek mind by the christological thinking of the New Testament: if the Son is God, yet distinct from the Father, how can God be called “one”? If Jesus is divine, how can he also be human? The 2nd-century Docetists (Greek, dokein,”to seem”) maintained that the humanity of Jesus was apparent rather than real, for in Greek thought the deity was held incapable of change or suffering. Against them, Ignatius insisted on the reality of Jesus' flesh. The outcome was the addition to the creed of the words “born of the Virgin Mary” to safeguard Jesus' humanity.

وجاء فى موسوعة انكرتا تحت مقال إنجيل يوحنا Gospel of Jhon:
كتب مؤلف إنجيل يوحنا مؤلفه للكنيسة المبكرة فى وقت كانت منتشرة فيه معتقدات الديانات السرية والغنوصية جنبا إلى جنب مع تعاليم المسيحية. ويبدو انه أراد بإنجيله أن يكون تفسير لاهوتي لشخص ورسالة يسوع.فقدم إنجيله بمصطلحات تتفق مع النزعة الفلسفية لعصره وبصياغة قد يفهمها كلا من مسيحيي الكنيسة فى الأجيال التالية والأمم الهيلينية اكثر من معاصريه.
ومن الواضح أن هدف المؤلف الرئيسي كان ينصب على مواجهة تعليم غنوصى دوسيتى يقول أن المسيح كان كائن إلهي ظهر فى شكل بشرى لكنه كان غير قابل للألم أو الموت.
إن الهدف الرئيسي لهذا الإنجيل كشفت عنه الآيات 31-20:30

The author of John wrote when the beliefs of mystery cults and Gnosticism were circulating in the early Church along with the first doctrines of Christianity. He seems to have intended his Gospel to be primarily a theological interpretation of Jesus’ person and mission. He presented his message in terms related to the philosophical trends of his time, in a form perhaps more understandable both to Christians of the later Church and to Hellenistic Gentiles than to his contemporaries. The author’s main purpose apparently was to counteract a teaching of Docetic Gnosticism that Christ was a divine being who appeared in human form but was incapable of mortal feeling or of dying. The express purpose of the Gospel is revealed in 20:30-31.

أما بعد :
وبعد هذه الجولة نلخص هذه النتائج:

1-الدوسيتيةDocetism من فعل يوناني يعنى (يظهر أ و يبدو) ، فهى تعنى "الظاهرية" أي المذهب القائل أن يسوع كان له جسد ظاهري(وهمي) وليس جسدا حقيقيا وان الذين قتلوه وصلبوه لم يقتلوه ولم يصلبوه لانهم كانوا واهمين (شبه لهم) وانهم لم يقتلوه حقيقة (وما قتلوه يقينا)

2-الدوسيتيون الغنوصيون هم أول من قالوا أن المسيح لم يقتل أو يصلب وإنما شُبِّه لاعدائه من اليهود والرومان انهم صلبوه وقتلوه ، وذلك لانهم أنكروا مجيء الله فى الجسد ، أى أنكروا أن يكون يسوع هو الله أو ابن الله.وهذه الفكرة ترجع الى القرن الأول المسيحى بدليل ان الكتابات التى تنسب ليوحنا تلميذ المسيح تتعرض لهذه القضية فنقرأ فى إنجيل يوحنا

{واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه} يوحنا 20:31

فهو يؤكد على أن يسوع(الإنسان) هو المسيح ابن الله ، بعكس ما كان يزعم الدوسيتيون الغنوصيون أن يسوع الإنسان غير المسيح ابن الله.كما جاء فى رسائل يوحنا ما يحارب هذا التعليم صراحة فنقرأ فى رسالة يوحنا الأولى 4:1

{أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لان أنبياء كذبة كثيرين

قد خرجوا الى العالم. بهذا تعرفون روح الله.
كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في

الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من

الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم انه يأتي والآن هو في العالم. }

وجاء فى رسالته الثانية الآية السابعة:

{ لانه قد دخل الى العالم مضلّون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتيا في الجسد. هذا هو المضلّ والضد للمسيح. }.

وكما حارب يوحنا هذا التعليم الدوسيتى ، حاربه أيضا آباء القرن الثانى والثالث مثل أغناطيوس الانطيقى وايرانيوس وغيرهما.

ففى رسالة اغناطيوس الانطاقى (35 - 107)
http://www.ccel.org/fathers2/ANF-01/#P1604_276864 /"> http://www.ccel.org/fathers2/ANF-01/#P1604_276864

تلميذ القديس بطرس الرسول
فى رسالته إلى ترالس 10 : 1. يقول
" إذا كان يسوع المسيح - كما زعم الملحدون الذين بلا إله - لم يتألم إلا في الظاهر ، وهم أنفسهم ليسوا سوى خيالات (بلا وجود حقيقي) فلماذا أنا مكبل بالحديد "

وفى رسالته إلى أزمير (سميرنا) 2.
" وهو إنما أحتمل الآلام لأجلنا لكي ننال الخلاص ، تألم حقا وقام حقا ، وآلامه لم تكن خيالا ، كما أدعى بعض غير المؤمنيين ، الذين ليسو سوى خيالات "
" لو أن ربنا صنع ما صنعه في الخيال لا غير لكانت قيودي أيضا خيال"

ويذكر القديس ايرانيوس ان باسيليدس قال :
" وصنع الملائكة الذين يحتلون السماء السفلى المرئية لنا كل شئ في العالم ، وجعلوا لأنفسهم اختصاصات للأرض والأمم التي عليها ، ولما أراد رئيس هؤلاء ، إله اليهود كما يعتقدون ، أن يخضع الأمم الأخرى لشعبه اليهود ، واعترضه وقاومه كل الرؤساء الآخرين بسبب العدواة التي كانت بين أمته وكل الأمم ، ولما أدرك الآب غير المولود والذي لا اسم له انهم سيدمرون أرسل بكره العقل (وهو الذي يدعى المسيح) ليخلص من يُؤمن به ، من قوة هؤلاء الذين صنعوا العالم . فظهر على الأرض كإنسان لأمم هذه القوات وصنع معجزات . وهو لم يمت بل اجبر سمعان القيرواني على حمل صليبه والقي شبهه عليه واعتقدوا انه يسوع فصلب بخطأ وجهل . واتخذ هو شكل سمعان القيرواني ووقف جانباً يضحك عليهم . ولأنه قوة غير مادي وعقل الآب غير المولود فقد غير هيئته كما أراد وهكذا صعد إلى الذي أرسله"(


وهكذا يتضح أن هذا التعليم قديم قدم المسيحية ، وان المسيحية حاربته فى نصوصها المقدسة(مثل كتابات يوحنا) وفى كتابات الآباء الأوائل نظرا لمخالفته للعقيدة المسيحية الرسمية ، ونظرا لانتشاره الكبير فى شتى البقاع.
فلما جاء محمد كتب لهذه البدعة المسيحية الخلود بتبنيه لها كجزء أساسي من العقيدة الإسلامية. فقد وجد فيها ما يتفق ودعوته التوحيدية .فهو كان يرى أن المسيح ما هو إلا مجرد نبي عظيم زوده الله بالمعجزات الخارقات لتكون دليلا على نبوته .أما أن يكون هو الله المتجسد ، فهذا ما رفضه محمد رفضا قاطعا لما يتنافى ذلك مع صورته لله الواحد الأحد الذي لم يولد ولم يلد ولم يكن له كفؤ أحد .فلِمَا لا يأخذ هذه الفكرة خاصة أن القائلين بها هم فى النهاية ينسبوا أنفسهم للمسيحية وان اختلفوا مع المسيحية الرسمية ، فلخصها بإيجاز دقيق فى سورة النساء 157

{وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله

وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم

وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن

وما قتلوه يقينا}
ولو طلبنا من أحد الدوسيتيين أن يلخص فكرته عن هذه القضية ، لقال تماما ما قاله محمد فى هذه الآيات.


وهناك علماء مسلمين لم ينكروا ان فكرة الاسلام عن عدم قتل وصلب المسيح والقاء شبهه على غيره سبقها الفكر الغنوصى

ففى ترجمة العلامة عبدالله يوسف على لاية النساء 157
جاءت ترجمته للايات :

That they said (in boast), "We killed Christ Jesus the son of Mary, the Messenger of Allah";
but they killed him not, nor crucified him,
but so
it was made to appear to them
, and those who differ therein are full of doubts, with no (certain) knowledge, but only conjecture to follow, for of a surety they killed him not.
Nay, Allah raised him up unto Himself; and Allah is Exalted in Power, Wise

ويعلق على هذه الاية فى الحاشية :
The end of the life of Jesus on earth is as much involved in mystery as his birth , and indeed the greater part of his private life , except the three main years of his ministry .
It is not profitable to discuss the many doubts and conjectures among the early Christians sects and among Moslem theologians .
The orthodox Christian churches make it a cardinal point of their doctrine that his life was taken on the cross , that he died and was buried , that on the third day he rose in the body with his wounds intact , and walked about and conversed , and ate with his disciples , and was afterwards taken up bodily to heaven .
This is necessary for the theological doctrine of blood sacrifice , and vicarious atonement for sins , which is rejected by islam .
But some of the early Christian sects did not believe that Christ was killed on the cross.
The Basilidans believed that someone else was substituted for him .
The Docetae held that Christ never had a real physical or natural body, but only an apparent or phantom body, and that his Crucifixion was only apparent, not real.
The Marcionite Gospel (about A. D.138) denied that Jesus was born, and merely said that he appeared in human form . The Gospel of st. Barnabas supported the theory of substitution on the cross.
The Quranic teaching is that Christ was not crucified nor killed by the Jews, notwithstanding certain apparent circumstances which produced that illusion in the' minds of some of his enemies: that disputations, doubts, and conjectures on such matters are vain; and that he was taken up to Allah (see next verse and note )

وهذه ترجمتى لشرح وتفسير العالم الاسلامى :

" ان نهاية حياة المسيح على الارض يكتنفها الغموض تماما مثل ميلاده ومثل معظم سنين حياته باستثناء الثلاث سنين الاخيرة من خدمته .
ولا جدوى من مناقشة مواضع الشك الكثيرة والافترضات التى دارت بين الفرق المسيحية الاولى وبين علماء الاسلام
ان الكنائس المسيحية التقليدة ( الرسمية ) تعتبر ان من اهم عقائدها ان حياة المسيح انتهت على الصليب وانه مات ودفن وانه قام فى اليوم الثالث بجسده وبجراحه التى لم تلمس , وانه مشى وتكلم واكل مع تلاميذه , وانه بعد ذلك رفع بجسده الى السماء
هذا ضرورى للعقيدة اللاهوتية التى تقول بذبيحة الدم والتكفير النيابى عن الخطايا , وهذا ما رفضه الاسلام .
لكن بعض الفرق المسيحية الاولى لم تعتقد ان المسيح قتل على الصليب
فان الباسيليديين ( اتباع باسيليدس ) اعتقدوا ان شخص آخر استبدل بدلا منه .
والديسيتيون زعموا ان المسيح لم يكن له ابدا جسد مادى حقيقى طبيعى وانما كان له جسدا وهميا ظاهريا , وان صلبه كان فى الظاهر ولم يكن حقيقيا

وجاء بانجيل مارسيون ( حوالى 138 م ) انكار ان يسوع ولد , وانه قال انه ظهر فقط فى شكل بشرى .
وأيد انجيل القديس برنابا نظرية البديل المصلوب .
اما القرآن فعلم ان المسيح لم يصلب ولم يقتل بواسطة اليهود بالرغم من بعض الظروف الظاهرة التى أدت الى وهم فى عقول بعض اعدائه , فهذه المجادلات والشكوك والتخمينات حول هذه القضية فباطلة , وانه رفع الى الله . "

واختم بما قاله الفيلسوف برتراند رسلBertrand Russell عند عرضه للفكر الفلسفي الغنوصى فى القرون الأربعة الأولى للمسيحية:

"استمر ت الغنوصية والمانوية فى الازدهار حتى اعتنقت الحكومة(الرومانية الوثنية) المسيحية. بعد ذلك اضطر الغنوصيون والمانويون لاخفاء معتقداتهم ، لكن عقائدهم السرية ظلت لها تأثير .وان إحدى عقائد إحدى الفرق الغنوصية قد تبناها محمد. تقول هذه الفرقة أن يسوع لم يكن سوى مجرد بشر ، وان ابن الله نزل عليه (حلَّ به) فى المعمودية وفارقه فى وقت الآلام. وقاموا بتدعيم رأيهم بالاستناد على نص " إلهي إلهي لماذا تركتني؟" (إنجيل مرقص 15:34 ) , هذا النص الذى يجب على المسيحيين الاعتراف بصعوبته.
لقد رأى الغنوصيون انه لا يليق بابن الله أن يولد ،أو أن يصير طفلا ،واهم من ذلك انه لا يليق به ان يموت على الصليب.
وقالوا إن كل هذه الأمور قد حدثت بالفعل للإنسان يسوع ، وبرئ منها ابن الله ذو الجوهر الإلهي.
على الجانب الآخر ، فان محمد ، الذى عرف يسوع (عيسى) كنبي وليس كإله ، كان يميل بشدة للاعتقاد انه لا ينبغي لحياة الأنبياء أن تنتهي نهاية بشعة.
ولذلك يبدوا انه اعتنق رأى الدوسيتيين DOCETICS وهم من الفرق الغنوصية ، كانوا يروا أن الذى رآه اليهود والرومان معلقا على الصليب كان مجرد طيف (phantom) وهذا الطيف هو الذى كانوا يعذبونه بلا جدوى. وهكذا فان بعض العقائد
الغنوصية قد انتقلت الى العقائد الإسلامية."


(A History of Western Philosophy. Bertrand Russell.p345 , London , George Allen and Unwin LTD)

وختاما
لم يكن هدفى اثبات او دحض للعقائد المسيحية او الاسلامية فى موضوع صلب المسيح , فهذا موضوع آخر , وكل ما كنت اهدف اليه هو وضع هذا الاعتقاد فى سياقه التاريخى بالاستناد على مراجع وكتابات قديمة ذكرت امر هذه القضية
واتمنى ان اكون وفقت فى اثبات ان " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " فكرة دوسيتية غنوصية قديمة لا ينكرها الا مكابر , وان هذه الفكرة كتب لها الخلود والديمومة عندما وافق عليها الاسلام ونقلها فى القرآن على انها من وحى رب العالمين , بينما هى من وحى مفكرين ومتصوفة ماتوا قبل الاسلام بمئات السنين لكن فكرتهم لم تمت , لان الفكر – ايا كان اتجاهه – لا يموت .


انتهت

ولقد تلقينا ردود اسلامية تنقد بحثنا وكان من بين الاعتراضات الاسلامية انه :
لا دليل لدينا على ان الاسلام " اقتبس " هذه العقيدة من الفكر الغنوصى نظرا لاختلاف الفكر الغنوصى بصورة عامة عن الفكر الاسلامى .
وكان ردنا على هذا الاعتراض :

ان سبب الاعتراض يكمن فى عدم تعريف دقيق لكلمة ( أقتباس ) اى ان هذه الكلمة توحى لك باشياء غير التى توحيه لى فينتج الاختلاف الذى سرعان ما يزول عندما نتفق على تعريف لها

فأنا عندما قلت ان الاسلام أقتبس الفكرة الدوسيتية , فان كلمة ( اقتبس ) توحى للكثيرين بانى اقول ان الاسلام اخذ الفكرة بحذافيرها وخلفياتها الثقافية والفلسفية والعقائدية , وهذا لم نقل به مطلقا , ولا يقول به عاقل
وانما ( الاقتباس ) الذى نتحدث عنه هو الموافقة على الفكرة العامة : القول بان المسيح لم يقتل او يصلب فعليا و ماديا
اما عن الملابسات والتفاصيل فلا شك ان هناك اختلافات بين الاسلام والدوسيتية لم ننكره

تماما مثل اختلاف المسيحيين والمسلميين فى شخصية المسيح , فاختلافهما لا يعنى انه لا توجد علاقة بين الديانتين

فالاقتباس لا يعنى بالضرورة الصورة الكربونية وانما يدخل فيه بالاضافة لقبول الفكرة الرئيسية المستجدات الآنية والتراكمات المعرفية والثقافة السائدة والاهداف العقائدية لمن ينقل الفكرة

انا ادرس هذا الامر دراسة علمية تاريخية لا علاقة لها بالتفسير الغيبى او التفسير الدينى للاحداث

انا اتناول الفكرة كفكرة تاريخية من خلال منهج تاريخى , ابحث عن اصلها القديم , واول القائلين بها , وكيف استمرت فى الاجيال اللاحقة , ومدى ما اصاب الفكرة الاولى من اضافات وتنقيحات
خذ مثلا هذا المثال
عندما ابحث عن تاريخية فكرة ( الله خلق الانسان من طين )
كباحث تاريخى وكمنقب عن تاريخ الفكر , اجد ان اقدم المصادر التى قالت بهذه الفكرة هى المصدر الاسطورى المصرى القديم والمصدر الاسطورى السومرى القديم ثم انتقلت الفكرة الى الاساطير والديانات التالية زمنيا
ففى الاساطير المصرية القديمة
نجد ان الاله خنوم Khnum وهواحد اربع آلهة عظام يطلق عليهم آلهة الخلق
نجده فى الاساطير المصرية القديمة التى ترجع للاسرة الاولى ( اى لا يقل عن الف عام من اليهودية الديانة الاقدم فى المنطقة )
تروى عنه الاسطورة انه هو الذى خلق الانسان من طين , وتصور لنا النقوش والرسوم القديمة كيف ان هذا الاله كان يشكل من الطين الانسان الاول على آلة الفخارى , وينفخ في انفه قتدب الحياة فيه
اقرأ ما جاء بدائرة المعارف البريطانية تحت مادة خنوم :

Encyclopedia Britannica
also spelled Khnemu, ancient Egyptian god of fertility, associated with water and with procreation. Khnum was worshiped from the 1st dynasty (c. 2925-2775 BC) into the early centuries AD. He was represented as a ram with horizontal, twisting horns or as a man with a ram's head. Khnum was believed to have created humankind from clay like a potter; this scene, with him using a potter's wheel, was depicted in later times. The god's first main cult centre was Herwer, near Al-Ashmunayn in Middle Egypt. From the New Kingdom (1539-1075 BC) on, however, he became the god of the island of Elephantine, near present-day Aswan, and was known as the lord of the surrounding First Cataract of the Nile River. At Elephantine he formed a triad of deities with the goddesses Satis and Anukis. Khnum also had an important cult at Esna, south of Thebes.Copyright © 1994-2001 Encyclopedia Britannica, Inc._

" الاله خنوم , وينطق ايضا خنيمو , من الالهة المصرية القديمة , وهو إله الخصوبة ... كان يعبد منذ الاسرة الاولى ( حوالى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد ) حتى القرون الاولى بعد الميلاد ... وكان يعتقد انه خلق الانسان من طين ..."

وفى الاساطير السومرية :
ان السومريين من اوائل الشعوب التى قالت ان الانسان خلق من طين
يقول الباحث فراس السواح :
" والاسطورة السومرية المتعلقة بخلق الانسان , هى اول اسطورة خطتها يد الانسان عن هذا الموضوع . وعلى منوالها جرت اساطير المنطقة , والمناطق المجاورة , التى استمدت منها عناصرها الاساسية , وخصوصا فكرة تكوين الانسان من طين , وفكرة تصوير الانسان على صورة الالهة "
(مغامرة العقل الاولى , فراس السواح , طبعة 9 , دار المنارة سوريا ص 45 )

جاء فى الاسطورة السومرية ان الالهة نمو ( المياه البدئية ) طلبت من ابنها الاله انكى ان يقوم بهذه المهمة
جاء على لسانها :
أى بنى , انهض من مضجعك , انهض من (....)
واصنع امرا حكيما
اجعل للآلهة خدما , يصنعون لهم معاشهم

وقال انكى :
ان الكائنات التى ارتأيت خلقها ستظهر للوجود
ولسوف نعلق عليها صورة الالهة
امزجى حفنة طين , من فوق مياه الاعماق
وسيقوم الصناع الالهيون المهرة بتكثيف الطين وعجنه
ثم كوّنى انت له اعضاءه..
ولسوف تقدرين للمولود الجديد , يا أماه , مصيره
وتعلق ننماخ عليه صور الالهة
.. فى هيئة الانسان


(المصدر السابق ص 45 – 46 )

وانتقلت الاسطورة الى الاساطير الاغريقية

فجاء عن بروميثيوس انه خلق الانسان من تراب وماء , وعندما استوى الانسان قائما , نفخت الإلهة أثينا فيه الروح
وبعد الاف السنين من الاسطورة السومرية والاسطورة المصرية تأتى التوراة وتنقل نفس الاسطورة القديمة
سفر التكوين 1
26 و قال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر و على طير السماء و على البهائم و على كل الارض و على جميع الدبابات التي تدب على الارض
27 فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم

سفر التكوين 2 : 7
و جبل الرب الاله ادم ترابا من الارض و نفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية


And the LORD God formed man of the dust of the ground, and
breathed into his nostrils the breath of life; and man became a
living soul.
ان الاية الاخيرة تكاد تكون تلخيصا دقيقا موجزا للاسطورة المصرية للاله خنوم الذى شكل الانسان من طين ونفخ فى انفه نسمة الحياة
الاختلاف الوحيد فى اسم الاله حيث نقل الكاتب التوراتى الفكرة بحذافيرها ولم يغير الا اسم الاله فنسب هذا العمل للاله اليهودى ( يهوه الوهيم ) بدلا من الاله المصرى خنوم
وجاء ايضا عن خلق الانسان من طين او تراب :
اذكر انك جبلتني كالطين افتعيدني الى التراب (أيوب 10 : 9)
و الان يا رب انت ابونا نحن الطين و انت جابلنا و كلنا عمل يديك (إشعياء 64 : 8)
الانسان الاول من الارض ترابي الانسان الثاني الرب من السماء (كورنثوس الأولى 15 : 47)
من ناحية اخرى يلاحظ تسرب الفكرة السومرية القائلة بان الانسان اخذ صورة الاله , او ان الالهة وضعت صورتها على الانسان , هذه الفكرة تسربت حرفيا للتوراة التى تقول ان الاله خلق الانسان على صورته !!

وجاء الاسلام بعد آلاف السنين وكرر الاسطورة القديمة
الانعام
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)
الاعراف
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12 )
الاسراء
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)
المؤمنون
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
السجدة
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
ص
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)

هذا هو حديث التاريخ المدعم بالادلة والوثائق والنقوش القديمة الذى لا يكذبه الا جاهل

فاذا أكملت بحثى التاريخى لهذه الفكرة وتتبعت مسيرتها فى الازمنة التالية , فماذا نجد ؟
نجد ان الاديان : اليهودية والمسيحية والاسلام - والتى ظهرت بعد الاف السنين - تورد قصة خلق الانسان من طين فى اسفارها المقدسة

وكباحث فى تاريخ الفكر والعقائد والاساطير لابد ان اقول : ها هى فكرة خلق الانسان الاول من طين والنفخ فى انفه من قبل الاله تقتبس من جديد او يعاد تصديرها تاريخيا بفكرتها الرئيسية وان اختلف كتبة التوراة او الانجيل او القرآن فى بعض التفاصيل عن مصدرها المصرى القديم او السومرى القديم , لكن البذرة الاولى ما زالت هى هى .

ونستمر فى تتبع الفكرة الام تاريخيا
فنجد المسيحية - منذ الفين سنة , وبعد سفر التكوين بما لايقل عن مئات او اكثر من السنين , وبعد القصة المصرية والسومرية بالاف السنين - وافقت على ما جاء بالتكوين الذى صار جزء من كتابها المقدس , ففى العقيدة المسيحية خلق الاله الانسان من طين
ونستمر فى تتبع الفكرة تاريخيا
فنصل الى القرن السابع الميلادى حيث نجد القرآن يقول :

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ
الانعام2

أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) الكهف

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) الؤمنون
وغيرها من الايات الكثيرة
فماذا نقول ؟
ان الباحث التاريخى الذى يؤرخ لهذه الفكرة وتتطورها عبر الازمنه لابد ان يقول :

لقد ظهرت اول ما ظهرت هذه الفكرة فى الاسطورة المصرية القديمة حيث الاله خنوم شكل الانسان من طين ونفخ فيه , وانتقلت نفس الفكرة بمعالمها الرئيسية فى اليهودية مع شئ من التنقيح فبدلا من الاله خنوم اصبح القائم بالخلق " ألوهيم " , ثم انتقلت للمسيحية وللاسلام مع شئ من التنقيح , فصار " الله " هو الذى خلق الانسان من طين

وهنا يحق للباحث التاريخى ان يقول باقتباس الاديان اللاحقة للفكرة الاصلية , ولا يعنى بذلك الاقتباس الحرفى الكربونى كما يفهم ويتبادر للذهنية الغير تاريخية

من زاوية اخرى عندما نقول ان اليهودية مثلا اقتبست فكرة خلق الاله للانسان من طين من الاسطورة المصرية , فلا يعنى هذا ان كاتب سفر التكوين وقع بيده نسخة من الاسطورة المصرية فترجمها ونقلها لسفره , فهذه الاساطير كانت منتشرة شفويا وكانت تشكل تراث سائد ينتقل من جيل الى جيل
فالاقتباس هنا يكون من الذاكرة الجماعية
ويصل الامر بالذى يقتبس انه لا يدرى انه يقتبس فالفكرة فى نظره وفى ثقافته وفى معارفه هى فكرة بديهية متفق عليها بسبب قدمها ورسوخها فى وعى ولاوعى المجتمع البشرى .

ويصل الحال ان ينسى البشر القصة الاصلية المصرية او السومرية او غيرها , وتصبح جزء اساسى من ثقافة اليهود والمسيحيين والمسلمين باعتبارها الحقيقة المطلقة , ويصل بهم الحال عندما نقارن قصتهم الحديثة نسبيا بالقصة الام ان يتنكروا للاصل بل يسخرون منه ويعتبرونه خرافات واساطير بالرغم من ان معالم قصتهم الرئيسية ما هى الا نسخة منقحة ومزيدة

فعندما قلت ان الاسلام اقتبس مقولة الدوسيتيين لم اقصد الاقتباس الحرفى والاقتباس عن طريق كتاب دوسيتى وقع تحت يد محمد فترجمه ونقله الى العربية وانتقى منه هذه الاقوال ,او انه تقابل مع احد الدوسيتيين واخذ منه هذه الفكرة

وانما الامر ليس بهذه الصورة
كل ما هنالك ان هذه الفكرة قديمة قدم المسيحية
وكما اثبتا بالدراسة فان الفكر الغنوصى كان منتشرا بين كثير من فرق المسيحية فى كافة الارجاء , والتاريخ خير شاهد , حيث اكتشفت مخطوطات غنوصية كثيرة اشهرها مخطوطات نجع حمادى مما يدل على انتشار الفكر الغنوصى فى منطقة البحر المتوسط وتخوم الجزيرة العربية الشمالية ولا نستبعد ان هذا الفكر وجد من يحتضنه من الفرق المسيحية بالجزيرة العربية فى زمن سادت فيه الثقافة الدينية الشفهية التى اختلط فيها الفكر الدينى الرسمى بالخرافات والاساطير
من ناحية اخرى من منظور تاريخى اكاديمى وبصرف النظر عن اى تبريرات دينية فان الحقيقة التاريخية التى لا جدال فيها هى ان اول من قال بفكرة وما قتلوه وما صلبوه هم الدوسيتيون
وبعد قرون قال الاسلام بنفس المقولة وان اختلفت بعض التفاصيل والبواعث من هذه المقولة عند الدوسيتيين والاسلام
فهذا الاختلاف لا يقطع الصلة بينهما وان رفض المسلمون . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لاخطاء اللغوية والإملائية في القرآن - جزء 1

أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله  لوجدو فيه إختلافا كبيرا - سورة النساء    يعتقد معظم المسلمين أن في القرآن سمات رب...