الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

هدم الكعبة وهدم معبد سيوة بين الحقيقة والخرافة




يبدو لي مرجحا أن القرآن قد قدم تفسيرا دينيا أسطوريا لفشل حملة أبرهة على "مكة"
 والتي ربما
تضمنت أهدافا أخرى تضاف لذلك الهدف الضيق ذائع الصيت بأنها كانت مجرد حملة لهدم الكعبة فقط بحسب الوارد في بعض أمهات كتب التاريخ الإسلامي كالطبري وابن هشام .. ومن ضمن هذه الأهداف الأخرى المرجحة لحملة أبرهة هذه رغبة "أبرهة" في السيطرة على مكة نفسها بما تمثله من ملتقى حيوي ورئيس لطرق التجارة في شبه الجزيرة العربية آنذاك وهو السبب الذي ربما كان وراء الشهرة الدينية لمكة وكعبتها بعد ذلك ( عرفت جزيرة العرب آنذاك ما يقرب من نيف وعشرين كعبة مماثلة للكعبة المكية !!). بل ويذهب البعض إلى أن تلك الحملة تضمنت هدفا سياسيا كذلك تمثل في حلم راود أبرهة بمد نفوذه في بلاد العرب مواكبة لرغبة البيزنطيين في توحيد القبائل العربية بجزيرة العرب ضد الفرس ..وذلك بالإستناد لما أورده المؤرخ "بروكوبيوس" : "أما فيما يختص بحمير فقد كان من المرغوب فيه أن.. ويسيروا جيشا منهم ومن المعديين لغزو فارس " .. حيث يؤكد د.جواد علي أن "بروكوبيوس" ذكر أن الروم وهم حلفاء الأحباش قد حرضوا أبرهة على مهاجمة الفرس , فلم يهاجمهم إلا بعد لأي ثم أوقف هجومه وتراجع . ويضيف(د.جواد علي) : " ولم يشر هذا المؤرخ (بروكوبيوس) إلى المواضع التي هاجمها والأماكن التي كان الفرس فيها , فهل أراد بذلك مسير أبرهة لفتح مكة وبقية مدن الحجاز ليهاجم من هناك العراق وحدود إمبراطورية الفرس , وليمهد بذلك الطريق إلى الإتصال بالروم , أو أنه عنى مهاجمة الفرس من مواضع أخرى تقع في العربية الجنوبية أو سواحل الخليج ؟ ". ويعتقد د. صالح العلي ( محاضرات في تاريخ العرب ,ج1 ص 260 ) استنادا على رواية بروكوبيوس أيضا أن ملك الحبشة قد أمر أبرهة باعتباره نائبه في اليمن بالقيام بحملة ضد الساسانيين ومساعدة الروم حلفاء الأحباش , فسلك أبرهة في حملته الطريق البري للقوافل التي تصل الشام مرورا بمكة . بل ويرى د.صالح العلي في الرواية القائلة برغبة أبرهة في تحويل نظر العرب من كعبة مكة إلى القليس الذي بناه (بحسب ماورد في مصادر كالطبري و كتاب معجم البلدان) يرى فيها رواية هزيلة , فيقول:" فإن أبرهة إذا كان قد بنى كنيسة نصرانية في اليمن ليأتيها النصارى , لا يستطيع إجبار المشركين على زيارة الكنيسة النصرانية .. فمكة إذا لا تغتاظ من إنشاء كنيسة نصرانية , لأن مركزها الديني لا علاقة للنصارى به .." ‏ لنعود ثانية إذا إلى ما نسبه القرآن وأخذت به بعض المصادر العربية المعتبرة ( المسعودي , ج2 ) إلى الطير الأبابيل التي كانت وراء فناء جيش أبرهة والذي يمكن ربطه على الأرجح بوباء الجدري ( لا بحجارة آتية من جهنم ؟؟!!) ذلك الوباء الذي ذكر المؤرخ " بروكوبيوس" ظهوره في بيلوز "554 م" وفي القسطنطينية "569 م" .. حيث يرى أ. يوسف أحمد ( المحمل والحج : ص 77) أن هذا الوباء قد جاء من منطقة مجاورة لبلاد العرب عن طريق بعض الطيور .. وإذا أضفنا لذلك الوباء أن حملة أبرهة هذه قد وقعت في جو شديد الحرارة ربما كان في شهر يونيو " إذا أخذنا برأي إبن كثير والمسعودي بترجيح ميلاد محمد بعد خمسين يوما من عام الفيل والذي يراه البعض موافقا ليوم 12 من ربيع الأول / 20 من أغسطس 570م .. أمكن لنا عندئذ أن نتفهم الظروف الموضوعية لهزيمة حملة "أبرهة" على مكة , وعودة "أبرهة " إلى اليمن مهزوما/ مريضا ليموت هناك ..وذلك بعيدا عما شاع بين العرب بعد ذلك عن قتال الله مع أهل البيت والذي كفاهم مؤونة عدوهم وردده القرآن بعد ذلك كصدى للدعاية الدينية السياسية لقريش وكعبتها . كما أن جزيرة العرب قد شهدت حدثا مماثلا قبل حملة أبرهة بأكثر من 500 عام حين تعرضت اليمن لحملة فاشلة سيرها حاكم مصر الروماني "إيليوس جالوس" ( 24 ق.م) بالإستعانة بوزير الملك النبطي "عبادة الثاني"(30_9 ق.م) المدعو "ساليوس"(صالح) وفشلت الحملة كذلك بفعل الأوبئة ووعورة الطريق والقيظ فامتنع الرومان عن غزو اليمن مكتفين بتحريض حلفائهم الأحباش عليها.. وهو ما يفهم منه أن القيظ ووعورة الطريق فضلا عن الأوبئة التي كانت تظهر بين حين وآخر هي ظروف معتادة في بيئة صحراوية قاسية كجزيرة العرب . كما يحتفظ التاريخ بمثال أكثر قدما يكاد يكون مشابها لحد بعيد لما حدث لأبرهة وحملته على مكة.. فمن المعروف أن الملك الفارسي "قمبيز" لما غزا مصر حوالي "525 ق.م" قد وجه إحدى حملاته لهدم معبد الإله المصري"إمن" بواحة سيوة (الواقعة في بيئة صحراوية قاسية أيضا "صحراء مصر الغربية") نظرا لما رآه قمبيز في هذا المعبد كمصدر لنبوءات لم تعجبه , ويذكر التاريخ أن حملة "قمبيز" هذه قد هبت عليها بالصحراء الغربية في مصر عاصفة رملية شديدة أفنت هذه الحملة عن آخرها وهو المعبد الذي ربما ذاع صيته بعدها (بعد أن حماه ربه "إمن"!!!) وحرص الإسكندر المقدوني على زيارته للتبرك به بعد غزوه لمصر(332 ق.م) !!! ( فهل كان لمعبد سيوة رب يحميه ؟؟؟) .. من هذه الأمثلة نفهم أن عقلية الإنسان القديم كعرب القرن السابع الميلادي أو كهنة "إمن" في القرن السادس قبل الميلاد..الخ كانت تنظر للأمور العظيمة بحسبانها أعمالا جبارة من صنع آلهة خفية كالإله "إيل"/الله كبير المجمع الإلهي بمكة أو "إمن" الإله المصري القديم / إله الإمبراطورية المصرية المجيدة (1570 _ 1080 ق.م) .. وليس لإنسان العصر الحديث والذي تفصله عن هذه العصور البعيدة مئات السنين والذي يعيش في زمن الثورة العلمية الهائلة حيث يمكن تفسير الظواهر الطبيعية بردها لأسبابها الموضوعية اللاغيبية , ليس مضطرا لأن يعتقد في أن "إيل"/الله هو الذي أنقذ الكعبة من أبرهة إلا بقدر إعتقاده في أن "إمن"/آمون هو الذي أنقذ معبده من قمبيز!!!!! فليس "إمن" و "إيل"(مع خاص إحترامي لزملائي المتدينين) إلا من تركة أساطير الأولين التي عفا عليها الزمن ! مع خالص تحياتي الغريب المنسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لاخطاء اللغوية والإملائية في القرآن - جزء 1

أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله  لوجدو فيه إختلافا كبيرا - سورة النساء    يعتقد معظم المسلمين أن في القرآن سمات رب...