الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

حقيقة السماوات السبع

لما كانت اللغة تتضمن كلمات يمكن أن تأتي تارة بمعناها اللغوي العام وتارة أخرى بمعنى اصطلاحي خاص فقد أدت بمفسري القرآن للتعامل مع كلمة السماء تارة بمعنى عام (كل ما علا) وتارة أخرى بمعنى اصطلاحي اختلفوا في تحديده. لقد كان معنى السماء مراوغاً بالنسبة لكثير من المفسرين المسلمين بالفعل فمثلاً نجد أن السحاب يوصف بأنه بين السماء والأرض وبأن الماء ينزل من السماء. كل هذا في آية واحدة: (... وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة 164. هنا نجد أن المسلم يقول أن السماء المذكورة في المرة الأولى يقصد بها إنزال الماء من جهة العلو أما السماء المذكورة في المرة الأخرى بنفس الآية فلها معنى اصطلاحي ولا يمكن أن يقصد بها كل ما علا. السبب في هذا أن القرآن نفسه يؤكد أن الماء ينزل من السحاب حيث ورد ما يلي: 1- (وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) الأعراف 57. 2- (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) النور 43. 3- (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده فإذا هم يستبشرون) الروم 48. 4- (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور) فاطر 9. ولم تكن معرفة أن المطر (الودق) ينزل من السحاب مجهولة عند مشركي مكة كما نلاحظ من الآية: (وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحابٌ مركوم (44) فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45)) الطور. واضح من الآية الثانية أن القرآن هنا يخاطب غير المسلمين فهم ينسبون المطر الشديد إلى تراكم السحب لا للعقاب لعدم إيمانهم.ومنعاً لتجنب الدخول في المتاهات التي يثيرها المعنى المراوغ للسماء فقد اقتصرت في هذا المقال على السماوات السبع لأنها أبعد عن هذا الإرباك. السماوات السبع: في البداية ترددت وسألت نفسي: هل يخلصنا البحث عن السماوات السبع فعلاً بدلاً من السماء من هذا الإرباك؟ عندما طرحت على نفسي هذا السؤال فكرت فيما إذا كان العدد سبعة يشير إلى كثرة السماوات لا العدد سبعة لا أكثر أو أقل. يمكن أن نتذكر في هذا الصدد الآية: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) سورة لقمان 27. من الواضح أن الآية كانت تتحدث عن كثرة كلمات الله ولذا دل العدد على الكثرة أما بالنسبة للسماوات السبع فقد كان العدد سبعة مقصوداً لذاته كما تدل عليه الآية: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) الطلاق 12 دل القول بالمثل في الآية على أن العدد مقصود لذاته. ثم طرحت على نفسي سؤالاً آخر: هل كانت المصطلحات الفلكية في عصر ظهور القرآن واضحة حتى لا يحدث نوع من الإرباك؟ في الحقيقة أن المصطلحات الفلكية لم تكن واضحة كما هي اليوم بل حتى في عصر الخلافة العباسية يمكنك أن تجد عدداً من المصطلحات الفلكية ذات الفروق الواضحة في عصرنا متساوية في المعنى في عصرهم كما في بائية أبي تمام الشهيرة. اقرأ معي: (والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب) هكذا رأى الأجرام السبعة (الشمس - عطارد - الزهرة – القمر– المريخ – المشتري – زحل) على أنها شهب. واقرأ فيها أيضاً: (وخوفوا الناس من دهياء مظلمة إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب) هكذا اعتبر أبو تمام المذنب كوكباً له ذنب رغم ان الكواكب عندنا أجرام مظلمة باردة ولا يمكن أن يكون لها أذناب نارية كالمذنبات. ‏ في الحقيقة لم يكن أبا تمام أو غيره من أهل عصره قادرون على معرفة أن عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل كلها أجسام باردة مظلمة ومن أين له أن يتوقع هذا؟ بالتالي لم يكن العرب يعرفون الفرق بين أن يكون هناك نجم (جرم ناري يضيء الكون) وهناك كوكب (جرم بارد مظلم) وهناك مذنب (جرم له رأس صخري وذنب أو ذيل ناري) وأخيراً هناك الشهب والنيازك التي تتساقط على الكواكب كالأرض ولا علاقة لها بتصيد من يسترقون السمع. لذا لا محل للقول بأن آية ما تتحدث عن الكواكب بالاصطلاح الفلكي الحديث كالآية التالية: (إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب (5) وحفظاً من كل شيطان مارد (7) لا يسمعون إلى الملأ الاعلى ويقذفون من كل جانب (8) دحوراً ولهم عذاب واصب (9) إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب (10)) الصافات. اختلافات القراءات: بجر و تنوين (زينة) ونصب (الكواكب) عند شعبة – بجر وتنوين (زينة) وجر(الكواكب) عند حفص وحمزة – بجر (زينة) بلا تنوين وجر (الكواكب)عند باقي الرواة المعتمدين الناقلين للقراءات العشر. (لا يسمعون): بتشديد الفتح على السين والميم عند حفص وحمزة والكسائي وخلف – بتسكين السين وفتح الميم عند الباقين. الطريف هنا أن رواية حفص عن قراءة عاصم للقرآن (وهي المدونة في مصاحف كثير من الأقطار الإسلامية) هي في ذات الوقت تعد هي ورواية حمزة روايتان مخالفتان لروايات القراءات في هذا الموضع حيث كسرا (زينة) مع التنوين أما كسر الكواكب فقد اتفقا فيها مع الغالبية وخالفهم شعبة بالفتح لكن في النهاية يعتبر علماء القراءات أن كل القراءات صحيحة ووردت عن نبي الإسلام. قدمت هنا كل الاختلافات المعتمدة في القراءات لهذه الآية بعد ذكر رواية حفص ولم أفعل مع الآيات الأخرى نفس المسلك حيث اكتفيت فيها برواية حفص لأبين أن جميعالروايات لا توضح كما أقر المفسرون إن كانت الكواكب في السماء الدنيا أم لا كما تضع سراجاً على مدخل دار لزينته فيدخل ضوءه عبر شباك البيت دون أن يكون بالبيت نفسه. أحب أن أشير إلى أن وصف سماء بأنها الدنيا يعني أنها السفلى أي هي تحديد لمكانها بالنسبة للسماوات الطباق وهو وصف يختلف عن وصف حياة بأنها الدنيا لتحقير شأنها بالمقارنة مع الآخرة. هنا أنالا أستطيع أن أفسر كلمة كوكب بأنه جرم فلكي بارد مظلم فهذا تعريف لم يعرف لا في زمن القرآن ولا حتى في زمن أبي تمام. في الوقت نفسه يمكن أن أفهمها بأسلوب عصر نزول القرآن حيث الشهب كالمذنبات وكالكواكب وكالنجوم بلا فرق! باختصار الكواكب تعني هنا أجرام سماوية بصفة عامة. نفس هذا الغموض يتكرر ولكن مع استبدال كلمة الكواكب بكلمة المصابيح واقترانها بالحديث عن حفظ السماء كما يلي: (... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) فصلت 12. (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير) الملك 5. كان يمكن لهذا الغموض أن يوقفني عن البحث عن معنى السماوات السبع لكن كان المخرج لي بالسؤال التالي: هل كانت السماوات السبع معروفة ومحددة تحديداً واضحاً في عصر القرآن عند كل من المسلمين وغير المسلمين قبل أن تختلف التفسيرات في عصور لاحقة فيظنونها إخباراً للمسلمين عن وجودها؟ الجواب: نعم وهذه هي الأدلة: 1- (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله أفلا تذكرون(85) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله فأنى تسحرون (89)) سورة المؤمنون. إنه خطاب متصل ولا يحتمل التجزئة فهو يبدأ بخلق الأرض ثم السماوات السبع والعرش ثم الختام بكل شيء. الخطاب هنا يتدرج مرة باللوم لعدم تذكرهم (أفلا تذكرون) ثم تخويفهم (أفلا تتقون؟) ثم سخر من عقولهم في النهاية (أنى تسحرون؟). أي أن الخطاب كان موجهاً لغير المسلمين الذين عاصرهم محمد. نعرف أن الكتابيين يؤمنون بالله وبأن له عرشاً أما مشركي مكة الذين اندثرت معتقداتهم فيشير القرآن إليهم على أنهم يؤمنون بالله وإن أشركوا به ويؤمنون بأن له عرشاً حتى لقد جادلهم القرآن قائلاً: (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) الإسراء 42. أي من خلال الآيات السابقة (84 - 89) بسورة المؤمنون نستنتج أن هناك من غير المسلمين من كانوا يؤمنون بوجود السماوات السبع في عصر ظهور القرآن. 2- (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور (3) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير (4)) سورة الملك. واضح من لهجة الخطاب (ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) أن بالآيتين خطاباً لغير المسلم. أكثر من هذا أن ورود السماوات السبع في البداية ليس عبثاً بل المطلوب إعمال البصر فيها وما بها كمثال لخلق الرحمن الذي لن ترى فيه فطوراً (أي شقوقاً وصدوعاً). لاحظ أيضاً أن السماوات السبع وصفت هنا بأنها فوق بعضها البعض (طباقاً) فهي ليست كالمجرات كل واحدة في ناحية مختلفة. وعلى الرائي أن يدرك أنها طبقات فوق بعضها البعض ليس فيها أي عيوب. 3- (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن ياتيهم عذاب أليم (1) قال يا قوم إني لكم نذير مبين (2)... ما لكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم أطوارا (14) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا (15) وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (16)) نوح. كما هو واضح فقد كان هذا ضمن خطاب نوح لغير المؤمنين الذين لا يرجون لله وقاراً ونجد أن نوح يتعجب منهم فهم يرون السماوات السبع الطباق ولا يؤمنون. لم يتطلب الأمر من قوم نوح مناظير عملاقة ولا مناظير صغيرة كمنظار جاليليو لرؤية السماوات السبع الطباق وهذا دليل على قربها. عندما يقول شخص ما أن نور القمر في السماوات السبع وليس بالضرورة فيها بل القمر بين الأرض والسماوات السبع فإنعليه أن يقول لنا أين السماوات السبع التي كان يعرفها قوم نوح على فقر علومهم ويعرفون أنها طبقات فوق بعضها البعض؟ هنا يتضح الخطأ بجلاء. سيقول آخر بل القمر في السماء الدنيا وعليه أن يقول لنا أيضاً أين السماوات السبع التي كان يعرفها قوم نوح على فقر علومهم ويعرفون أنها طبقات فوق بعضها البعض؟ الجواب تبعاً للفلكيين القدامى: إن القمر في الفلك الأول حول الأرض أما الزهرة فهي في الفلك الثاني وعطارد في الفلك الثالث والشمس في الفلك الرابع والمريخ في الفلك الخامس والمشتري في الفلك السادس وزحل في الفلك السابع وقد وضعواهذا الترتيب لأنهم كانوا يرون جرماً ما يكسف غيره فيعرفون من الأقرب ومن الأبعد. على هذا فإن أفلاك السيارات السبعة (وليست السيارات السبعة ذاتها) هي السماوات السبع ولا يمكن أن يكون قوما نوح ومحمد قد عرفوا غيرها. أما أفلاك غيرها فلا يعد سماء. أنا أقصد بهذا الفلك الثامن وهو فلك النجوم الثابتة فقد كانت لا تكسف بعضها البعض ولا تتحرك في نظرهم أما نجم القطب الشمالي الثابت في نظرهم أيضاً فيشغل الفلك لتاسع. لهذ غضب كثير من علماء الدين من الفلاسفة الذين قالوا بأن عدد السماوات تسعاً لا سبعاً ولم يكن هذا بسبب رفضهم لنظرية دوران الأجرام السبعة حول الأرض كما تصور البعض. الآية في الحقيقة تصرح بنظرية دوران الأجرام السبعة حول الأرض بدلاً مما هو معروف بأن عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري يدورون حول الشمس بينما يدور القمر حول الأرض ناهيك عن اكتشاف كواكب أخرى تدور حول الشمس فيما بعد. بهذا يكون القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة أي في فلكين متوازيين حول الأرض ويأتي الحديث عن فلكيهما مقترناً بالحديث عن الليل والنهار ليس فقط لأن الشمس تظهر بالليل والقمر يظهر بالنهار بل لأن حدوث الليل والنهار ناشىء عن حركتهما في رأي الفلكيين القدامى وليس عن دوران الأرض حول محورها إذ يصبح عندئذ الحديث عن أن الليل لا يسبق النهار له معناه بينما يجعل دوران الأرض حول نفسها من الحديث عن هذا التسابق بين الليل والنهار عبثاً كما يلي: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون) يس 40. لنعد الآن لقراءة الآية: (وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً). وهي تذكر أيضاً بالآيات: 1- (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً...) يونس (5) 2- (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيرا) الفرقان 61. 3- (وبنينا فوقكم سبعاً شدادا (12) وجعلنا سراجاً وهاجا (13)) النبأ. سأعود لوصف السماوات السبع بالشداد فيما بعد. يهمني الآن هو ما رآه البعض بأن وصف القمر بالنور تارة وبالمنير تارة أخرى ووصف الشمس بالسراج والسراج الوهاج والضياء يدل على إعجاز علمي وأنه يدل على أن القرآن يدرك أن القمر مجرد عاكس لأشعة الشمس. بهذا يمكن أن يحجب هذا التفسير خطأ القول برؤية قوم نوح للسماوات السبع الطباق رغم أن المعاجم اللغوية القديمة لا تفرق بين النور والضياء. هذا القول يتجاهل أن وصف الشيء بالنور أو المنير لا يقلل من شأنه ولا يجعله عاكساً لأشعة غيره وإلا لكان من الأفضل ما يلي: 1- أن يوصف الله بضياء السماوات والأرض بدلاً من وصفه بنور السماوات والأرض كما في الآية: (الله نور السماوات والأرض...) النور 35. 2- أن يكتفي بوصف النبي بالسراج أو السراج الوهاج باعتبار نوره الذاتي أو يكتفي بوصفه بالمنير باعتبار أن نوره من الله لا من ذاته لكنه جمع الوصفين في: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا (45) وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا (46)) الأحزاب. إننا أمام تنويع للأوصاف بوصف الشمس بالسراج أو الضياء والقمر بالنور أو المنير كأن أمدح مطرباً بأنه كروان وآخر بأنه بلبل ويظل وصفي ثابتاً لكل واحد منهما دون أن يتبدل ليصير الكروان بلبلاً والبلبل كرواناً. لا يفوتني أن أتناول أوصاف السماوات السبع فقد مر وصف السماوات السبع بالشداد رغم أننا ذكرنا أنها أفلاك. في الحقيقة لم يكن علم الفلك متقدماً كي يتخيل الأفلاك فضاء بل هي شداد لأنها احتفظت بالأجرام السماوية فيها ولم تسقط منها. أيضاً هناك وصف آخر للسماوات السبع بأنها طرائق كما في الآية: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين (17)). المؤمنون. ويمكن للمفسر أن يفسرها بأنها طرق الملائكة لكن من الواضح أنها طرق الأجرام السماوية أيضاً أما الفلك الثامن والتاسع فليسا طريقين إذ أن النجوم هناك ثابتة في رأي الفلكيين القدامى. هذا كان حال السماوات السبع أما شأن نشأتها فقد تطرق إليه القرآن على النحو التالي: 1- (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم) البقرة 29. 2- (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم (12)) فصلت. أنبه هنا إلى أن (ثم) بضم الثاء هي المذكورة في الآيات السابقة هي حرف العطف وهي غير (ثم) بفتح الثاء التي هي ظرف مكان بمعنى (هناك). حاول البعض القول بأن (ثم)هنا لا تعني الترتيب وهو جائز فقط إذا كان مضمون الكلام يوحي بإخراجه عن المتبادر عند الإطلاق ولعل الشفيع في هذا وصول عدد أيام الخلق إلى ثمانية بدلاً من ستة بما يتعارض مع آيات كثيرة نخص منها بالذكر آية مهمة في هذا الموضوع تتحدث عن وجود ماء في بدء الخلق وأن عرش الله كان عليه وسنتطرق لها فيما بعد. أما المفسرون القدامى فتفادوا مشكلة الأيام الثمانية بجعل يومي خلق الأرض يدخلان ضمن الأربعة أيام لتهيئة الأقوات ثم جعل اليومين الأخيرين لقضاء السماوات السبع وتزيين السماء الدنيا بالمصابيح. هذا يتعارض بجلاء مع العلم الذي لا يقبل القول بأن تتم تهيئة أقوات الأرض قبل خلق النجوم والكواكب التي هي مصابيح السماء الدنيا. لذا اضطر المفسرون المحدثون لإخراج (ثم) عن وظيفة الترتيب لكن ما الشكل المناسب للقصة عندئذ؟ الآن بعد أن انكشف الغطاء عن أخطاء القرآن العلمية عن حقيقة السماوات السبع سأقدم هنا تفسيري لمصدر قصة بدء الخلق القرآنية متحرراً من تأثير قدسية النص ولكل واحد أن يقدم تفسيره الخاص. سأحكي هنا النقاط الرئيسية في قصة خلق السماء والأرض في القرآن عند يهود يثرب وذلك من خلال سفر التكوين: اليوم الأول: الأرض خربة وخالية ولا حديث عن السماء إذ لم يتم الفتق بعد. اليوم الثاني: فصل الأرض عن السماء بتكوين جلد في وسط المياه (المياه كانت على الأرض بدليل تكون البحار منها كما سيلي) ليفصل بين نوعين من المياه ويدعى هذا الجلد سماء. بهذا تكون الأرض قد تكونت كجزء منفصل عن السماء في يومين وبالأحرى فتق السماء والأرض بعد رتقهما بالتعبير القرآني. اليوم الثالث: تجتمع المياه التي تحت السماء في مكان واحد وتسمى بحاراً كما تظهر اليابسة. ثم تظهر النباتات على الأرض من عشب وبقل وشجر ذو ثمر لكن أقوات الأرض الأخرى التي خلقت لأجل الإنسان لم تظهر بعد. اليوم الرابع: خلق أنوار في جلد السماء لتفصل بين الليل والنهار فعمل الله الشمس ليحكم النهار والقمر ليحكم الليل وكذلك خلق النجوم بهذا يكتمل خلق السماء في يومين هما الثاني والرابع. لم يتحدث سفر التكوين هنا عن نباتات الأرض ولكن علينا أن ندرك أن النباتات لا زالت تنمو في اليوم الرابع بعكس السماء التي لم تتطور في اليوم الثالث. اليومان الخامس والسادس: خلق باقي أقوات الإنسان من طير وبهائم وسمك ويخلق الله الإنسان على صورته. وعلى هذا فإن ما آمن به يهود يثرب هو: فصل الله الأرض عن السماء في يومين ثم جهز أقوات البشر في أربعة أيام تبدأ من اليوم الثالث وتنتهي في اليوم السادس أما السماء وما بها من شمس وقمر ونجوم فقد خلقت في يومين هما الثاني والرابع. هنا نجد اتفاقاً في الخطوط الأساسية لقصتي بدء الخلق كما لا يبدو الحديث عن السماء الدخانية مناقضاً لتولد السماء كجلد في وسط المياه بل على العكس يمكن بسهولة القول بأن المرحلة الدخانية كانت مرحلة وسيطة بين مرحلة الماء ومرحلة الجلد نجمت عن التبخر. أكثر من هذا فإن عرش الله كان عندئذ على الماء كما ذكر القرآن أي أن القرآن يوافق على تواجد الماء عند بدء الخلق حيث ذكر: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء...) هود 7. أما ذكر السماوات السبع فقد كانت تمثل المعتقد العلمي عند اليهود والمشركين وكل أجناس البشر قبل أن يعيد المفسرون المحدثون تفسير السماوات السبع بأنها كانت مجهولة وأخبر بها القرآن. حتى فتق السماء والأرض لم يكن إخباراً من القرآن كما ادعى المفسرون المحدثون فرغم أن البشر لم يشهدوا خلق السماء والأرض إلا أن انفصال السماء والأرض كان من معتقدات يهود يثرب كما أوضحنا ولعلها انتقلت إلى المشركين ليشاركوهم فيها وإلا لما سألهم القرآن عنه بتعجب حين ذكر القرآن عملية الفتق: (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) الأنبياء 30. ونلاحظ أن الآية ذكرت على أنها مكية رغم أسلوبها المدني الذي يوحي بتوجيه الخطاب ليهود يثرب كأهل كتاب يدخلون في تصنيف الكافرين إلى نوعين( مشركين – أهل كتاب) كما ورد بسورة البينة. يصبح الحديث التالي هنا عن الماء منطقياً في تسلسله فقد كان عاملاً هاماً في انفصال السماء عن الأرض. أكدت في البداية أني سأتفادى الاقتراب من الحديث عن معنى السماء لأنه مراوغ ولكن هذا لا يمنع من التعامل معه بحذر لوروده أحياناً عند الحديث عن السماوات السبع المذكورة في قصة بدء الخلق كما سبق. كذلك أجد أن من الضروري ذكر آية أخرى رأى البعض فيها تعارضاً مع القصة السابقة لبدء الخلق وهي: (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها (28) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (29) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31) والجبال أرساها (32) متاعاً لكم ولأنعامكم (33)) النازعات. على هذا فقد مرت بنا ثلاث قصص لبدء الخلق وللتسهيل سأسميهم بما يلي: 1- القصة المختصرة (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم). 2- القصة المفصلة (الواردة بسورة فصلت). 3- قصة النازعات (الواردة بسورة النازعات). رأى البعض تعارضاً هنا بين القرآن ونفسه على أحد وجهين: 1- التعارض الأول: من خلال الحديث عن دحو الأرض هنا بعد بناء السماء بينما كانت السماء لا تزال في مرحلة الدخان حينما كانت هي والأرض كيانين منفصلين في القصة المفصلة. هذا التعارض في رأي البعض ناجم عن أن تفسير الدحو بمعنى البسط يعني في نظرهم أن عملية الدحو جزء من عملية الخلق ولكن هذا فيه نظر. لدينا هنا احتمالان: أ- وجود تعارض: نلاحظ هنا أن الآيات مكية أما الآيات التي تحدثت عن السماء الدخانية (القصة المفصلة) ذات أسلوب مدني رغم القول بأنها مكية. لربما كان التغيير المعاكس (إذا ثبت التعارض) في قصة بدء الخلق نتيجة جهل بتفاصيل القصة في مكة ثم تعديلها نتيجة التأثير اليهودي في يثرب إذا ثبت أن القصة المفصلة مدنية. هذا احتمال ضعيف إذ الأولى ألا يتم تقديم قصة جديدة معارضة للأولى والإصرار على الأصل. ب- عدم التعارض: وهو الأرجح عندي وعليه فلا احتمال لعدم الجهل بالتفاصيل الدقيقة للقصة اليهودية إذا ثبت عدم التعارض بين القصة المفصلة والقصة المذكورة بسورة النازعات كما أن المفسرين المسلمين يفرقون بين الدحو والخلق لتفادي هذا التعارض على النحو التالي: كانوا في الماضي يرونه بمعنى البسط دون أن يجعلوا البسط جزءاً من الخلق.أما عن بسط الأرض نفسه فإما أن يعني تهيئة سبلها للسير عليها لكن هذا ليس مقصود القرآن إذ ما أكثر الطرق الجبلية الوعرة وكل الناس يعرفون هذا في كل العصور بما يعني أن القرآن لا يجهل هذا وإما أن يعني اتخاذها شكلاً منبسطاً يخالف ما نعرفه من العلم عن شكلها الكروي غير كامل الاستدارة وما يقال عن بسط الأرض لا يختلف عن الكلام عن تسطيحها فقد وردت في هذا المعنى الآية: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (18) وإلى السماء كيف رفعت (19) وإلى الجبال كيف نصبت (20) وإلى الأرض كيف سطحت (21)) الغاشية. يقول المفسرون المحدثون أن الدحو يعني القول بجعل الأرض تشبه البيضة (تشير المعاجم اللغوية إلى أن الأدحية أو الأدحوة هي مبيض النعام في الرمل حيث نجد أكبر بيض للطيور). هنا سيقعون في التعارض مع العلم أيضاً إذ لا معنى للضحى بمواعيده اليومية الناجمة عن دوران الأرض حول محورها إن كانت الأرض لم تخلق أو خلقت ولا زالت في شكل هلامي لم يتحول بعد إلى شكله الحالي كالبيضة أي أن تفسير الدحو بهذا المعنى الذي يدعون فيه سبق القرآن للعلم يتعارض في حقيقة الأمر مع العلم. 2- التعارض الثاني: الكلام عن إخراج الماء والمرعى وإرساء الجبال يرد في سورة النازعات بعد تسوية السماء بينما يدخل ضمن (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) في القصة المختصرة وهو ما يحدث قبل تسوية السماء وما يقال في هذا يقال مثله في تعارض قصة النازعات مع القصة المفصلة وهنا جادل البعض بإخراج (ثم) عن وظيفة الترتيب سواء في القصة المختصرة أو القصة المفصلة ونذكر هنا بأن القصة المختصرة تصنف بأنها مدنية وأسلوبها فعلاً يتوافق مع هذا التصنيف أي ظهرت حيث يوجد اليهود بيثرب بما لديهم من قصة خاصة لبدء الخلق. أنا شخصياً أرجح أن الكلام بعد دحو الأرض لا يتطرق لترتيب أحداث بدء الخلق بل ذكر نعم الله ولذا لا حاجة لإخراج (ثم) عن وظيفة الترتيب في القصة المختصرة بينما يظل إخراجها عن وظيفة الترتيب مطروحاً بقوة في القصةالمفصلة لأسباب أخرى للكشف عن حقيقتها الملتبسة وفي كل الاحتمالات تظل قصة النازعات متعارضة مع العلم. بقيت شبهة وهي ألا يمكن القول بأن القرآن يجادل غير المسلمين على أساس بعض معتقداتهم ليلزمهم بتناقضها مع معتقداتهم الأخرى. هذا مردود عليه بأن القرآن في نهاية مجادلاته معهم لم يكن يصل إلى هدم معتقداتهم التي وافقهم عليها في البداية على أنها من صميم العلم وبهذا رسخ صحة معتقداتهم العلمية الخاطئة وأعاق حرية الفكر العلمي لدى المسلمين مما يعني خطأ مسلكه لو كانت هذه هي حقيقة الأمر. الكاتب : شاعر المصدر : شبكة اللادينيين العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لاخطاء اللغوية والإملائية في القرآن - جزء 1

أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله  لوجدو فيه إختلافا كبيرا - سورة النساء    يعتقد معظم المسلمين أن في القرآن سمات رب...