الكاتبة: زينب رشيد
المصدر في الحوار المتمدن
عندما يكون الله قادرا على كل شيء وفاعلا لكل شيء ومحركا لكل شيء، وعندما يكون على علم بكل شيء، بل و مسجلا لكل ما سيحدث في لوحه المحفوظ، عند ذاك يصبح الله مسؤولا عن النتائج المترتبة على قدرته وفعله وتحريكه.
هكذا تعرفنا على الله من خلال النص الديني، ماهو مختلف عليه وما هو متفق عليه، قرآنا وسنة، فالله هو خالق الكون، ومبرمج نظامه، هو مزلزل زلازله، وهو من يثير البراكين ويخمدها، ويفجر الينابيع ويجففها، ويشعل الحرائق ويطفأها، يحيي الانسان ويميته، يجعله مريضا ويداويه ان أراد.
كلما منحنا العلم فرصة لنبرئ الله مما هو متهم به، رفضناها وأصرينا على انه هو المزلزل و هو الجبار وهو المنتقم وهو المسيطر وهو المتجبر وهو القادر وهو المهيمن وهو المتكبر الخ..
نجادل بالتنظيم المبدع والدقيق لهذا الكون، ودائما ما نتفاخر بقدرة "ربنا" اللامتناهية في ابداع أدق التفاصيل التي من شأنها توفير شروط الحياة لعباده، وترانا نصمت صمت القبور اذا ما تزلزلت الأرض تحت أقدامنا، أو جرفت الفيضانات بيوتنا، أو التهمت النيران أجسادنا، أو داهمنا طارئ طبيعي من أي نوع.
أكثر ما نجيده هو الهرب في كل الاتجاهات عدا اتجاه الحقيقة، وحتى نطمئن أنفسنا، نؤكد أن الله يفعل كل ذلك ولا أحد سواه، وهو ان يفعله فله غاية في ذلك وحكمة، فاذا زلزل الأرض أو فجر الفيضانات في افغانستان وباكستان وتركيا وايران انما هو يختبر عباده المؤمنين وقدرتهم على الصبر والتحمل، وان فعل مثلها في هاييتي أو في الولايات المتحدة الامريكية انما يعاقب الضالين الكافرين.
حين نصر على أن الله يفعل كل ذلك، يصبح الله متهما ولو نظريا عن كل المآسي والويلات والمصائب التي تأتي على البشر والشجر والحجر، التي تُحدثها ما يسميه المؤمنون أفعاله، وما يسميه العقل كوارث طبيعية، يجب التعامل معها، والعمل قدر المستطاع من أجل التقليل من ضحاياها وأضرارها.
اصرارنا على القول ان الله يفعل كل ذلك لا ينبع من ايمان بهذا الاله بقدر ماهو محاولة كي يخلي المؤمنين ومن يتغطى بغطاء الدين أيضا مسؤوليتهم عن التقصير في العمل من أجل درء خطر الكوارث الطبيعية وما تخلفه من ضحايا.
لا يحدث إلا في بلد اسلامي، أن يُكمل الرئيس جولة زيارات دولية بصحبة أولاده في ذات الوقت الذي يتعرض بلده وشعبه لأسوأ الكوارث، وهو الرئيس القادر شخصيا على التخفيف كثيرا من آلام الفقراء والمشردين من شعبه بفضل الأموال الطائلة التي تمتلأ بها حساباته المصرفية في الداخل والخارج، التي جمعها من نسبة العشرة بالمائة التي يحصلها من أغلب الأعمال التجارية، حتى بات اسمه المتداول شعبيا هو "مستر تن برسنت"، ولن نسمع بعد ذلك إلا قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فهل هناك اله يبني ليدمر ويخلق ليقتل؟؟
لا يحدث إلا على المستوى الاسلامي، أن يتبجح الناس ويتفاخر ببناء المساجد التي تكلف الملايين حول العالم، وفي مناطق نائية جدا، بحيث لا تجد هذه المساجد من يصلي فيها، في حين ان غالبية مطلقة من المسلمين تعيش حالة فقر مدقع يكون اول ضحاياها الاطفال، وكما ان من يقتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، فان بكاء طفل على "كسرة خبز" أو قطرة حليب لا يعادله فناء العالم حين تُهدر فيه الملايين "النظيفة الشريفة" على بناء مساجد نائية وخاوية ولا معنى لها، ولن نسمع بعد ذلك الا ربنا لا نسألك رد القضاء ولكننا نسألك اللطف فيه، كأن الله هو من ترك الطفل جائعا يبكي!
لا يحدث إلا في بلاد الاسلام، أن تستنفر الشعوب كل طاقات الغضب والسخط والتظاهر، حين يتعلق الامر بما يسمونه اهانة او ازدراءا بالمقدسات والرموز الاسلامية يقوم بها الآخر، ويصمتون تماما اذا ما تعلق الأمر بالحاجة الى اظهار جزء بسيط من ذلك الغضب في وجه من يسلبهم أدنى مقومات الكرامة الانسانية. من لا يمنح قداسة لانسانيته ويغضب لاستلابها لن يكون له أي مقدس آخر حقيقي، ومن يريد أن يغضب لاهانة رموزه ومقدساته عليه أن يتوقف فورا عن التجاوز الصارخ والفظ على مقدسات الآخر وصولا الى الدعوة العلنية المقدسة والطلب من الله أن يميته ويشرده وييتم أطفاله ويسهل لرجال المسلمين سبي نسائه، بعد ذلك لا نسمع إلا ان الدين عند الله الاسلام ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين. اذا أين كان الله حين انتحل البعض هويته ونادى بأديان الأخرى!!
لا يحدث إلا في قوانين المسلمين وفتاويهم، أن لائحة ماهو ممنوع أكبر بما لا يقاس بما هو مسموح، وأن أغلب تلك الممنوعات تشمل المرأة، والغريب أن كثيرا من الحلال والحرام على السواء مخالف لأبسط قواعد حقوق الانسان، فالطبيعي هو تحريم ومنع زواج القاصرات في حين يحلله المسلمون ويقاومون أي مبادرة لمنعه أو الحد منه، وعوضا من أن يكون للمرأة كيانها المستقل بما يضمن حقوقها وحريتها في التصرف بما تملك وحريتها في التنقل وغير ذلك، نرى ان أكثر من ثلاثة ارباع الفتاوي لا هم لها إلا زيادة قائمة الممنوعات على المرأة بما يحرمها تماما من حريتها ويلغي كيانها بحيث تكون تابعة للرجل وقاصرا تحتاج لوصايته. يبدو اننا نحتاج لعكس الصورة تماما بحيث يصبح الحلال حراما والحرام حلالا زلالا، ثم لماذا خلق الله المرأة ناقصة عقل ودين؟ وهل ان الانسان الذي خلقه في أحسن تقويم ينطبق على الانسان الذكر فقط؟
لم يكن للنص الديني عبر التاريخ من وظيفة إلا التغطية على فشل المؤمنين وكسلهم وجرائمهم بحق بعضهم البعض وبحق الاخر، وقد أبدع أجدادنا وسار آبائنا على ذات الطريق في الاستفادة من نص يحوي بين ثناياه كل ما يحتاجونه لخدمة أغراضهم وكلها سلبية، طالت القريب قبل أن تطول الغريب، وان محاولات تصحيح المسار ستبقى فاشلة ما دام هناك نص يمكن استخدامه كيفما يشاء البعض للتهرب من مسؤلياتهم حينا، وفرض وصايتهم حينا آخر.
فئة محدودة جدا تنحصر في الحاكم ورجل الدين هي التي تستفيد من النص فيما غالبية المسلمين هم ضحايا لتلك النصوص قبل أن يكونوا ضحايا لمن يستخدمها لمصلحته، سواء كان حاكما أم رجل دين، وان الفكرة التي يصر البعض على ترويجها بأن النص جيد وصالح لكل زمان ومكان وان الخلل يكمن فقط في المسلمين، هي فكرة لا غرض منها سوى الحفاظ على الوضع القائم الى ما لا نهاية. المسلمون جميعهم، بمن فيهم من يسرق ويقتل ويفجر نفسه ويتهرب من مسؤوليته، هم ضحايا النص وليس العكس، ويبقى السؤال الى متى؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق